ترجمة صاحب الفتاوى فضيلة القاضي العلامة الورع الزاهد محمد بن إسماعيل العمراني
1) اسمه وكنيته ونسبه ومولده :
هو : أبو عبد الرحمن القاضي العلامة الفقيه ناصر السنة قامع البدعة صاحب التحقيق في العلوم , المشتغل بالعلم والتعليم والإفتاء في كل أوقاته ( محمد بن إسماعيل بن محمد بن محمد بن علي بن حسين بن صالح بن شائع العمراني اللقب الصنعاني المولد والنشأة ) . وكان مولده في ربيع الأول سنة 1340هـ .
2) لقبه :
اشتهر القاضي محمد بن إسماعيل بـ ( العمراني ) مع أنه ولد ونشأ وتربى وتعلم في صنعاء ، وسبب اشتهار لقبه بـ ( العمراني ) لأن أصل أسرته من مدينة عمران وأول من انتقل من أسرته إلى صنعاء هو جده القاضي/علي بن حسين بن صالح بن شائع العمراني ، في عهد الإمام المنصور الحسين ( 1139هـ – 1161هـ) وهذا الجد هو أول من استوطن صنعاء في القرن الثاني عشر من الهجرة النبوية على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام وهو أول من قرأ العلم من هذه الأسرة .
وصارت كلمة ( العمراني ) علماً بالغلبة عليه وعلى ذريته إلى يومنا هذا وهم لا يعرفون بدون هذه الكلمة باعتبار موطن الأجداد الأقدمين وإلا فهم في وقتنا الحاضر من أهل صنعاء .
زوجاته وعدد أولاده :
لم يجمع بين زوجتين ولكن لما توفيت زوجته أم أولاده اضطر إلى الزواج بالزوجة الثانية التي لا تزال معه وهو يعيش معها في أسعد حال وفي أحسن عشرة . وله من الأبناء خمسة هم :
1- الدكتور / عبد الرحمن محمد بن اسماعيل العمراني ويعمل مدرساً في كلية الآداب في جامعة صنعاء .
2- الدكتور / عبد الغني محمد بن اسماعيل العمراني ويعمل مدرساً في كلية التربية في جامعة صنعاء .
3- الأستاذ / عبد الوهاب محمد بن اسماعيل العمراني يعمل في السلك الدبلوماسي .
4- الأستاذ عبد الرزاق محمد بن اسماعيل العمراني يعمل في السلك الدبلوماسي .
5- الأستاذ / عبد الملك محمد بن اسماعيل العمراني وهو رجل أعمال تجارية .
وله أربع بنات مزوجات بأربعة دكاترة هم :
1- الدكتور / عبد الحكيم بن عبد الرحمن بن اسماعيل العمراني طبيب عيون مشهور يعمل في مدينة تعز .
2- الدكتور / عبد الله اسماعيل الجرافي طبيب أسنان .
3- الدكتور / خالد عبد الله المحمدي طبيب عيون يعمل في مدينة تعز .
4- الدكتور / محمد علي الربيدي مدرساً في كلية التجارة والاقتصاد بجامعة صنعاء .
3) مكانة أسرته العلمية :
أسرة صاحب الترجمة أسرة عريقة في العلم ضاربة جذورها في الفضل والصلاح والقضاء وأجداده قد ساهموا في نشر العلم واجتهدوا في ذلك تعليماً وإرشاداً وتأليفاً . وجده القاضي العلامة محمد بن علي العمراني كان من أبرز تلاميذ شيخ الإسلامي القاضي العلامة محمد بن علي الشوكاني وقد قال عنه الشوكاني في البدر الطالع (برع في جميع العلوم الاجتهادية وصار في عدد من يعمل بالدليل ولا يعرج على القيل والقال وبلغ في المعارف إلى مكان جليل وهو قوي الذهن سريع الفهم جيد الإدراك ثاقب النظر يقل وجود نظيره في هذا العصر مع تواضع وإعراض عن الدنيا وعدم اشتغال بما يشتغل به غيره ممن هو دونه بمراحل من تحسين الهيئة ولبس ما يشابه المتظهر بالعلم كثر الله فوائده ونفع بعلومه وقد سمع علي غالب الأمهات الست وفي العضد والكشاف والمطول وحواشيها وغيرها من الكتب ) انتهى كلام الشيخ القاضي العلامة محمد بن علي الشوكاني في ترجمة تلميذه القاضي العلامة محمد بن علي العمراني رحمهما الله تعالى والقاضي محمد بن علي العمراني نموذج لأفراد هذه الأسرة العريقة في العلم والصلاح الذين كانوا بين أقوامهم وفي مجتمعاتهم كالنجوم بين معاصريهم من العلماء وكمصابيح الهدى في العلم والفضل والصلاح والإصلاح . وممن أخذ عن الشوكاني من أجداده جده الأول والد والده القاضي محمد بن محمد بن علي العمراني الذي كناه والده بأبي الدرداء وكنى أخوه القاضي عبد الرحمن محمد العمراني الذي كناه والده بأبي هريرة .
4) حياته العلمية :
أ) مرحلة الطلب الأولى :
يتحدث فضيلة شيخنا فضيلة القاضي العلامة ( محمد بن إسماعيل العمراني ) حفظه الله عن بداية طلبه للعلم قائلاً بتشجيع من كبار السن ممن كانوا يعرفونني من القضاة والعلماء بقولهم لي ( أنت ابن القاضي إسماعيل بن القاضي محمد .. ) لقد كان جدك من كبار علماء صنعاء وكذلك جد أبيك ليحفزونني على طلب العلم واللحاق بركب العلماء وبهذا التشجيع تاقت نفسي للعلم فبادرت للدخول في مدرسة الفليحي الابتدائية وأنا في السابعة من عمري ، فأخذت القرآن الكريم على الأستاذ / محمد النعماني وغيره وتعلمت إلى جانب فن التجويد مختصرات من العلوم الدينية ممثلة في منهج مدرسة الفليحي الابتدائية وهي الأخلاق النحو – الخط – الإنشاء ، الحساب – الهندسة ، الجغرافيا – الصحة وأخذت من المدرسة شهادة في ذلك ، انتقلت بعدها إلى مدرسة الإصلاح في اليوم الذي افتتحت فيه فأخذت فيها جميع ما تقدم ذكره من المختصرات الابتدائية ولكنها كانت أرقى وأرفع من الأولى وعلى رأس السنة من دخولي هذه المدرسة كان خروجي منها بشهادة أعلى من الأولى وكانت هذه الشهادة التي حزتها مع زملائي في هذه المدرسة أول شهادات أعطيت لخريجيها وكانت أول دفعة تخرجت منها .
ب ) مرحة الطلب الثانية :
يقول فضيلة شيخنا الفاضل القاضي العلامة (محمد بن إسماعيل العمراني) حفظه الله تعالى عن طلبة العلم في هذه المرحلة : " لقد قرأت أثناء دراستي في مدرسة الفليحي وفي مدرسة بئر العزب وبئر الشمس عند الأستاذ/غالب الحرازي وفي مدرسة الروضة عند الأستاذ / الحسن بن إبراهيم وعندما بلغت الرابعة عشر من عمري 1354هـ انتقلت إلى الجامع الكبير بصنعاء ومسجد الفليحي فجودت القرآن الكريم على المقري (محمد بن إسحاق) والفقيه (لمراصبي ) والعلامة الضرير ( الكبسي ) .
ويضيف شيخنا حفظه الله تعالى قائلاً ( وحفظت المختصرات على السيد عبد الكريم بن إبراهيم الأمير وغيره ولزمت هذا المسجد ( الفليحي ) كثيراً ، واختلف إلى مساجد أخرى أجلس متلقياً على يد شيوخها ومن هذه المختصرات :
كما أخذت على السيد عبد الكريم الأمير في شرح القواعد والفاكهي وشرح قطر الندى في النحو وشرح السعد للتفتازاني في علم البيان والمعاني والبديع . والغزني في الصرف وغيره وأخذت على الصفي أحمد بن محمد السنيدار في مفهوم ومنطوق متن الأزهار وفي صحيفة علي بن موسى الرضى وأخذت على العزي البهلولي في شرح الجوهر المكنون في علم البيان والمعاني والبديع وشرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك في النحو وشرح الطبري على متن الكافل في أصول الفقه وشرح السعد على التلخيص في علم البيان والمعاني والبديع وشرح عهدة الأحكام وفي أوائل غاية السؤل في أصول الفقه وفي أوائل كتاب الكشاف في التفسير وأخذت على الفخري / عبد الله بن عبده حميد في قواعد الإعراب وشرح ابن عقيل وشرح الجوهر المكنون والكافل وتحفة الذاكرين ونخبة الفكر وبعض من المناهل الصافية في علم الصرف وغير ذلك من الكتب وأخذت على القاضي علي بن حسين المغربي بعضاً من كتاب قطر الندى في علم النحو ونخبة الفكر في علم مصطلح الحديث وغير ذلك من الكتب .
وأخذت على القاضي ( أحمد بن لطف الزبيري ) بعضاً من القطر و الفاكهي والقواعد وأخذت على السيد أحمد بن محمد زبارة في أوائل شرح الأزهار وثلثي كتاب سبل السلام وبعضاً من كتاب الشفاء للأمير الحسين .
وأخذت على القاضي عبد الوهاب المجاهد الشماحي بعضاً من الجزء الأول من شرح الأزهار وبعضاً منه من الجزء الثاني وأخذت على القاضي حسن حسين بن علي المغربي في الفرائض وشرح الأزهار وأصول الأحكام وبيان ابن مظفر وغير ذلك من الكتب وأخذت على السيد / عبد الخالق الأمير في شرح الأزهار وفي الفرائض وصحيح مسلم وغير ذلك من الكتب وأخذت على القاضي علي الآنسي في شرح الأزهار والفرائض . وأخذت على غير هؤلاء المذكورين من رجال الفروع والفرائض .
يقول شيخنا حفظه الله تعالى : " وبينما كنت أختلف إلى مشائخي لآخذ عليهم كبار الكتب كتب التخصص كنت أستعين الله وأفتح حلقات علمية لطلاب أقل مني تحصيلاً في الكتب الأولية من المتون والمختصرات التي تشمل كتب الفقه واللغة والحديث وبهذا الأسلوب حصلت على فوائد جمة وعلوم نافعة قيمة أكثر مما لو كنت مقتصراً على التحصيل فقط " انتهى كلام الشيخ حفظه الله .
5) شيوخه :
6) تلاميذه :
تلاميذ شيخنا حفظه الله كثيرون يصعب حصرهم وعدهم حيث قد يبلغ عددهم بالآلاف فكثير من علماء اليمن وقضاة محاكمه الشرعية ودعاته وخطباؤه والمرشدون معظمهم من تلاميذ فضيلة شيخنا القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني حفظه الله تعالى فهم إما تلاميذ له متخرجون من حلقاته العلمية في مسجد الفليحي أو في مسجد الزبيري أو من معهد القضاء العالي أو من طلاب جامعة الإيمان أو متابعون فتاواه في إذاعة صنعاء ومن أبرزهم :
هذا ما خطر ببالي وإلا فهم كثير وغير هؤلاء الكثير ممن هم في مختلف وظائف الدولة والمهتمون بشئون المجتمع.
7) إجازاته العلمية :
وممن أجازه من أكابر العلماء في عصره :
وقد بلغ عدد من أجازوا فضيلة الشيخ العلامة / محمد بن إسماعيل العمراني حفظه الله تعالى اثنان وعشرون عالماً من كبار علماء الأمة الإسلامية .
8) أسانيده :
أعلى سند له في صحيح البخاري :
أقرب سند يصل فضيلة القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني بالإمام المحدث العلامة محمد بن إسماعيل البخاري هو ما يرويه عن :
شيخه الواسعي عن العلامة عبد الرحمن بن عبيد السقاف عن العلامة عيدروس بن عمر عن العلامة عبد الرحمن بن سليمان الأهدل عن العلامة محمد بن محمد بن سنة الفلاني عن العلامة أحمد بن محمد العجل اليماني عن القطب النهرواني عن الطاووي عن بابا يوسف الهري عن الجمل الفرغاني عن ابن مقبل الختلاني عن محمد بن يوسف العزبري عن البخاري .
9) المحن التي تعرض لها :
كما هي سنة الله في الابتلاء فإن الشيخ مثله مثل كثير من جهابذة العلم وأتباع السنة لا بد أن يتعرض لمضايقات من المتعصبين لمذاهبهم وهذا أحد هذه المواقف ( بينما كان الشيخ يلقي دروسه في مسجد الفليحي في العاصمة صنعاء لطلاب جاءوا من مخلاف السليمان ( صبيا ، جيزان ) وكان هؤلاء الطلاب يدرسون كتب الشوكاني والأمير وغيرهم وكان يرتاد هذا المسجد أصناف من الناس منهم قاسم بن حسين أبو طالب الملقب بالعزي وكان من أهل الوجاهة ورجال الدولة له أتباع من العامة .
وكان الشيخ قد حاول أن يلقي دروسه أثناء غيابه وأحياناً كان يتوارى داخل قبة المسجد حيث لها باب منفصل وذات يوم جاء قاسم العزي إلى القبة فجأة وهم يدرسون كتب السنة وكأن هذا جريمة في نظرهم فسأل الشيخ ماذا تدرسون فأجابه الشيخ بصراحة وتحدي كتاب نيل الأوطار للإمام الشوكاني وإذا به يهاجم بكلام ملؤه الغيظ والحنق وجهه اتقوا الله أو إلا قد نسيتم دخول القبائل إلى صنعاء هاتكين الحرمات ناهبين المتاع والبيوت بسبب كتب أهل السنة المعادية لأهل البيت اتركوا كتب الناصبة ، وكتب إلى وزير المعارف محرضاً له على قطع راتبه الذي يستلمه مقابل تدريسه في المدرسة العلمية التابعة لوزارة المعارف .
ثم ذهب الشيخ لمقابلة ابن وزير المعارف وكان ذكياً لبيباً مقدراً للأمور وبعد أن أخبره الشيخ بالموضوع كتب له ورقة إلى والده فجاء الجواب ( درسوا ما أردتم فنحن لا نصدق أحداً).
ولكن قاسم العزي بعد أن علم برد الوزير كتب إلى الإمام في تعز وذهب الشيخ إلى شيخه العلامة السيد محمد زبارة قكتب له رسالة إلى الإمام مفادها ( أن القاضي محمد بن إسماعيل العمراني رجل عالم فقه غير متعصب ولا ميال إلى أي مذهب من المذاهب وهو يتصف بالإنصاف إلا أنه يخشى من الوشاة أن يغرروا عليكم يا موالانا بأنه يريد تخريب المذهب وأنه يناصب أهل البيت العداء ، بل هو ينهى عن ذلك فلا تصدقوا قاسم العزي ولا غيره ) فكتب الإمام جوباً مفاده ( حماكم الله لا يتصور أحد أن نمنع كتب السنة أن تدرس في المساجد من إنسان عادي فضلاً عن عالم من العلماء وإذا قيل لكم أن الإمام يمنع هذا فلا تصدقوه ولكن أنصحكم إرغاماً للشيطان وإرضاء للرحمن أن تجمعوا بين الشيئين فتدرسون شفاء الأوام للأمير الحسين والبخاري ومسلم وغيرها حتى تقطعوا عنكم تقولات الآخرين ) انتهى رد الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين .
10) حياته الدعوية والتعليمية :
حاول فضيلة القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني حفظه الله نشر العلم وتوعية المجتمع بكل الوسائل التي أتيحت له واهتم اهتماماً كبيراً بالجانب الفقهي ومتطلباته ويمكن أن نجمل إسهاماته التعليمية في حقل الدعوة بالنقاط التالية :
2) فتح الحلقات العلمية ومنها :
وقد درس فضيلة القاضي في هذه الحلقات أمهات كتب الحديث النبوي الشريف وكتب الفقه الإسلامي ففي الحديث كتابي البخاري ومسلم وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجة والترمذي وموطأ مالك وغيرها من كتب الحديث وفي الفقه كتب الإمام الشوكاني نيل الأوطار والسيل الجرار ووبل الغمام والدراري المضيئة وكتاب سبل السلام لمحمد بن إسماعيل الأمير عدة مرات وفقه السنة لسيد سابق وغيرها من كتب الفقه وهو يحب كثيراً تدريس كتب الحديث النبوي الشريف وكتب الفقه لعلماء اليمن المستقلين عن التقليد والمتحريين عن التمذهب كمؤلفات شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني والعلامة محمد بن إسماعيل الأمير والعلامة صالح المقبلي والعلامة حسن بن أحمد الجلال رحمهم الله جميعاً.
كما أنه قد درس الكثير من كتب الآلة من كتب اللغة العربية نحو وصرفاً وبلاغة وكتب أصول الفقه ومصطلح الحديث . كما قام بتدريس كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد لطلاب جامعة الإيمان وهو من كتب الفقه المقارن .
تصدر فضيلة القاضي العلامة (محمد بن إسماعيل العمراني) حفظه الله للإفتاء في سن مبكرة وقد كان محل ثقة لدى المجتمع بمختلف فتائه وشراحه منذ بزغ نجمة بين العلماء وتكاد التفوى في الديار اليمنية أن تكون مقصورة عليه وقد شارك في فتاوى إذاعة صنعاء منذ نشأتها بعد قيام الثورة اليمنية 1962م لسنوات سبع وقد تميزت فتاواه على فتاواه غيره من المفتين بالاستقلالية عن التقيد بمذهب معين لأنه يفتي في المسألة مبيناً أقوال أهل العلم فيها موضحاً ترجيحه من بين الأقوال دون تعصب لأي مذهب وهذا المنهج في الفتوى جعل فتاواه محل رضى وقبول من الجميع .
4) الكتابة :
لفضيلة صاحب الترجمة الكثير من الكتب والرسائل والبحوث التي لا يزال معظمها مخطوطاً لم يطبع حتى الآن بسبب تواضع المؤلف وإخلاصه وبغضه لحب الظهور والسمعة. ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :
أ) الكتب والرسائل :
ب) البحوث العلمية :
11) أهم الأعمال الرسمية التي تولاها :
1) ولاية المظالم :
وهذا العمل يعتبر نوعاً من أنواع القضاء وفصل في الخصومات ، وهي ولاية عظيمة وخطيرة ، وإدارتها من أصعب الإدارات ، و أعمالها مضنية جداً ، ومع ذلك فقد قام بما أنيط به من عمل أحسن قيام ، وما تخلى عن تدريسه وأعماله الدعوية قط . وهذا إن دل على شيء إنما يدل على النفس الكبيرة التي يحملها فضيلة الشيخ محمد بن إسماعيل العمراني حفظه الله بين جنبيه والهمة العالية التي بلغها .
2) عضوية مجلس الشورى : ( بقد قيام الوحدة المباركة ) .
لقد تكلف شيخنا حفظه الله دخول هذا المجلس بتعيين من رئيس الجمهورية فكان من المعينين في هذا المجلس لتقنين أحكام الشريعة الإسلامية وكان عدد من العلماء في هذا المجلس على رأسهم القاضي محمد بن إسماعيل العمراني .
12) مواقفه الاجتماعية :
إن من أهم ما يتميز به القاضي محمد بن إسماعيل العمراني حفظه الله هو حسن معاملته للناس سواء القريب منهم والبعيد المعروف وغيره ، لقد تميز بالقرب من الناس ، وسهولة طبعه وتواضعه ولطفه ودماثة أخلاقه فتمثل قول الرسول الله : " أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أ كناف الذين يألفون ويؤلفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف " .
ولقد عرف الشيخ بأسلوبه اللين مع طلابه وتحسسه للفقراء والمساكين منهم ومساعدته لهم خاصة طلاب العلم الذين يأتون من بلاد بعيدة . فهو يبدي لهم الاهتمام البالغ ولا يقصر في الاحتفاء بهم و إكرامهم ، وربما أخذ الواحد منهم إلى بيته ليؤنسه ويخفف عنه مرارة الاغتراب وقساوة البعد ومفارقة أهله ووطنه حتى يرغب طالب العالم في التحصيل .
وهو مع غيرهم خيراً كثير الصلة والأنفاق ، يصنع المعروف ولا يبتغي عليه جزاء من أحد إلا من الله يحب أهل الفضل على الإطلاق ، ويعين المساكين كثيراً ، حتى إنهم يقفون في الطريق الذي يمر منه ولا يخيب أحداً منهم أو يرده ، وإذا جلس في المسجد كثيراً ما ترى الناس حوله ملتفين ولو في غير الدرس . غاية الأمر أنه سراج منطقته التي يسكن فيها . محبوب إلى الجميع العامة منهم والخاصة .
وما من جمعية خيرية أنشئت في منطقة إلا وله يد فيها أو على الأقل تحريض غيره من أهل القدرة على فعل الخير . ولا يحب الظهور فأكثر نفقاته في السر . ولهذا السبب فيما أرى والله أعلم يلاحظ أن له قبولاً عند الجميع.
هذه الصفات والمواقف خاصة عند اشتداد حاجات اليتامى والأرامل جعلت دعوته نافذة ونصائحه صادقة حيث أن أفعاله تصدق أقواله .
هذه بعض المواقف التي سجلت له :
وجعلت بعد ذلك هذه الوالدة تدعوا له والناس يشكرون له هذه السعاية الحميدة وكان القاضي محمد كثيراً ما يذهب بالمساعدات المادية لهذه الأم تكرمة لذلك التلميذ ورحمة بها خاصة وقد أصبحت بلا عائل يعولها .
13) موقفه من الجماعات الإسلامية :
لم يعد يخفى على كثير من الجماعات الإسلامية على ساحة العمل الإسلامي وما نتج عنها فهي تنخر في جسم الأمة على ما أصابها من أمراض الفرقة والتشرذم فزادتها وهناً على وهنها وجرأت عليها أعدائها فهي الآن بهذه الأمراض مجتمعة لقمة سائغة لأعدائها ، وجندت بعض الجماعات أفرادها للنيل من الجماعات الأخرى ، ولتوسيع الهوة بينها فاحتار العامة في أمرها ولم يعد الحق يتبين مع أيٍّ منها ، وغصت المكتبات بالكتب والرسائل والبحوث الداعية إلى هذه الجماعات ففرح الأعداء والمغرضون فأصبحوا يزكوا روح الخلاف والشقاق بينها.
وأصبح الكل ينادي بالاعتصام بالكتاب والسنة ولكن لا فائدة مرجوة من هذه الجماعات التي تذكي هذه الروح بين المسلمين والعلماء قد بينوا الحق ولكن الأذان صماء والقلوب غلف والأعين عمياء ويقف القاضي محمد العمراني موقف العالم الناصح والمرشد المشفق على جميع من في الساحة ممن ينتسبون إلى الإسلام فينادي بأعلى صوته : (ألا إن من أوجب الواجبات في هذا العصر وحده الصف والجماعة ، وإن التفرقة من أقبح البدع وأشنعها ) .
ولا يكاد يمر درس من دروسه إلا ويبدي النصح والإرشاد والتوجيه للجماعات والإنكار على كل من يسعى للفرقة والتحزب والدعوة إلى غير هدي المؤمنين .
وكم كرر النصح وطرق على المقولة المشهورة : ( فلنجتمع على ما اتفقنا عليه من المسائل وليعذر بعضنا بعض فيما اختلفنا عليه من المسائل الفرعية الجزئية ) ، وطالما بين لطلابه أن المسائل التي يختلف عليها أهل المساجد في زماننا هذا إنما هي مسائل ظنية وليست من المسائل القطعية وهذا من أخطر المحضورات الشرعية ، ويتسم موقفه بوضوح في الحياء التام من الجماعات وعدم مهاجمة أياً منها مما أكسبه حرص كل الجماعات أن يكون فيها ، بل هذا الذي يحدث ، فكثيراً ما يدعى إلى ندوة أو مؤتمر تعقده الجماعة الفلانية فيذهب والحرج باد عليه .
14) سعة اطلاعه وعمق معرفته بالتاريخ :
مما يتميز به فضيلة القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني حفظه الله تعالى عن غيره من العلماء المعاصرين له في اليمن هو قوة حافظته وسعة إحاطته للحوادث التاريخية سواء منها ما كان قبل الإسلام من حياة العرب في جاهلية أو ما يتعلق بأخبار الأمم الماضية ، أو ما يتعلق بحفظ نسب الرسول من عند أبيه عبد الله بن عبد المطلب حتى نبي الله آدم عليه السلام ، أو ما يتعلق بمعرفة قبائل ورؤساء وأخبار القبائل العربية لا سيما قبيلة قريش التي بعث منها الرسول .
وكذا أخبار أحداث السيرة النبوية على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام ، والتاريخ الإسلامي وأخبار الدول الإسلامية في العصر الإسلامي سواء الدولة الأموية أو العباسية أو العثمانية .
أما ما يتعلق بأخبار التاريخ اليمني قبل الإسلام وبعد الإسلام وأخبار الدول المتعاقبة على اليمن ومعرفة أنساب وأسماء الأئمة الذين حكموا اليمن وأسرهم وحاشياتهم وسيرة كل واحد منهم وما حصل في أيامه من خير أو شر فلا يجاريه في معرفته وحفظه للأسماء والتواريخ أحداً . بل هو أكثر علماً واطلاعاً ومعرفة حفظاً لأسماء الحوادث والأشخاص والتواريخ من كبار المتخصصين في اليمن سواء التاريخ اليمني القديم أو الحديث ولا غرو في ذلك حيث أن فضيلته يعتبر شاهد ثلثي قرن وقد عاصر سبعة من الأئمة والرؤساء الذين تعاقبوا على حكم اليمن وهم : الإمام يحيى بن حميد الدين الملقب بالمتوكل على الله والذي حكم اليمن من سنة وابنه الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين الملقب بالناصر لدين الله الذي حكم اليمن بعد مقتل أبيه
والإمام محمد بن أحمد بن حميد الدين الذي حكم اليمن بعد موت أبيه . قامت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م ثم عاصر الحكام الذين حكموا اليمن بعد ثورة السادس والعشرين في سبتمبر وهم : المشير عبد الله السلال والقاضي العلامة عبد الرحمن الإرياني والرئيس المقدم / إبراهيم بن محمد الحمدي رئيس مجلس قيادة الثورة وهو الذي اشتعل في عهده في مكتب رفع المظالم في مكتب رئاسة الجمهورية . ثم جاء بعد مقتله المقدم أحمد حسين الغشمي الذي لم يدم حكمه سوى ثمانية أشهر ثم عاصر الرئيس علي عبد الله صالح .
ففضيلته يعد بحق مرجعاً تاريخياً بل موسوعة تاريخية للوقائع التاريخية الإسلامية واليمنية ولا سيما فترة ما بعد ثمانية أشهر قيام الثورة التي لم يظهر التاريخ وقائعها .
ملحوظة :
اقتبست هذه الترجمة من رسالة الماجستير للأخ الأستاذ / عبد الرحمن عبد الله سليمان الأغبري بتصرف بسيط التي هي بعنوان القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني حياته العلمية والدعوية التي تقع في نحو أربعمائة صفحة وهي جديرة بالاقتناء والاطلاع لما حوته من إحاطة بحياة شيخنا حفظه الله لما اشتملت عليه من فوائد علمية وتربوية مهمة ومفيدة .