استبدال السلام بألفاظ أخرى
السؤال :
س:هل قول الناس "أسعد الله صباحكم" بدلاً عن السلام الذي ورد عن النبي ﷺ أنه قال فيه (السلام تحيتنا وأمان أهل ذمتنا) كما قال (من لم يبدأ بالسلام فلا تجيبوه) ؟ وهل التحية بقولهم "صبحكم الله بالخير" ونحوها بدعه أم مشروعة ؟|
الإجابة
ج:اعلم أن السلام من السنن المؤكدة التي ورد فيها عدة أحاديث صحيحة ( ) مرفوعة إلى الرسول ﷺ مذكورة في دواوين السنة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام ومشهورة شهرة لا ينكرها أحد من العلماء وأما قولهم "صباح الخير" أو "مساء الخير" أو غيرها من الكلمات التي يحيي الناس بها بعضهم بعضاً فلم ترد في السنة النبوية لا بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف .
وأما حديث (السلام تحية ملتنا وأمان لذمتنا) الذي جاء في سؤالك هذا فقد عده أبن الجوزي من الموضوعات كما عده أيضا الصاغاني في "الدر الملتقط في تبين الغلط" ولم يوافقهما من جاء بعدهما من الحفاظ كالسيوطي في اللئالئ المصنوعه وابن عراق الكناني في تنزيه الشريعة المرفوعة وابن طاهر في تذكرة الموضوعات والعلة التي من أجلها حكم عليه ابن الجوزي هي أن الطبراني رواه من حديث أبي هريرة بسند فيه (عصمة بن محمد الأنصاري) وقد تفرد به وهو كذاب يضع الحديث كما قال عنه يحيى بن معين يـحدث بالبواطل عن الثقات ليس ممن يكتب حديثه إلا اعتباراً كما قال العقيلي وقد تابعه على هذا الحكم بالوضع الصاغاني مؤلف الدر الملتقط ولكن من جاء بعدهما قد وجد لهذا الحديث طرقاً أخرى منها ما أخرجه البيهقي في الشعب من وجه آخر عن أبي هريرة أيضا كما أخرجه أيضا من حديث أبي أمامه وصححه الضياء في المختارة وأخرجه البيهقي أيضا من طرق عن ابن مسعود مرفوعاً وموقوفاً وأخرجه عن ابن عمر موقوفاً وأخرجه القضاعي في مسند الشبهات من حديث أنس وكذلك حديث (لا كلام قبل السلام) ليس بصحيح بل هو من الأحاديث المنكرة كما قال الترمذي وغيره كما في اللئالئ والتنزيه والفوائد المجموعة وغيرهما على أن الحافظ المعلمي قد نقد جميع الطرق المذكورة وتكلم في سند كل طريق من الطرق التي في أسانيد أحاديث أبي أمامه وأبي هريرة وغيرهما مما يجعل الحديث موضوعاً أو في غاية من الضعف كما صرح الحافظ الألباني بأنه ضعيف جداً وهكذا حديث (من يبدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه) أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن السني في عمل اليوم والليلة وابن أبي حاتم في العلل وقال عنه السخاوي في المقاصد الحسنة رجاله من أهل الصدق لكن فيه بقية وهو مدلس وقد عنعنه لكن تابعه حفص بن عمر الأيلي وحفص تركوه ومنهم من كذبه وعبد العزيز (وهو الذي روى عنه بقية هذا الحديث ضعفه بعضهم بسبب الإرجاء ولا يقدح فيه عند الجمهور . قال الشيخ خليل الميس مدير أزهر لبنان في تعليقاته على كتاب العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لابن الجوزي قلت وقد صرح بقية بالحديث عند ابن السني وابن أبي حاتم ومع ذلك ذكر عن أبي زرعة أنه قال هذا حديث لا أصل له يسمع بقية هذا الحديث من عبد العزيز إنما هو عن أهل حمص وأهل حمص لا يميزون هذا . ولا يشهد لهذا الحديث حديث كان رسول الله لا يأذن لمن لم يبدأ بالسلام لأنه أيضا حديث واه عده ابن الجوزي من الواهية في كتابه العلل المتناهية وقال فيه هذا حديث لا يصح قال ابن حبان إبراهيم (أبي إبراهيم بن يزيد الخوزي) (الراوي عن أبي الزبير هذا الحديث) يروى عن أبي الزبير وغيره مناكير كبيرة حتى يسبق إلى القلب انه المتعمد لها وقال يحيى ليس بثقة وسواء أكانت هذه الأحاديث من الأحاديث الضعيفة أو الحسنة أو الموضوعة فقد ورد في موضوع مشروعية السلام عدة أحاديث صحيحة مذكورة في دواوين السنة النبوية بعضها يصرح بأن السلام من حق المسلم على المسلم وبعضها يأمر المسلمين بأن يفشوا السلام وبعضها يرغب النبي ﷺ في السلام بل قد ورد في الموضوع آيات قرآنية كقوله تعالى (فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة)( ) وكقوله تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها)( ) وكقوله تعالى (لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها بل جاء في القرآن ما يدل على أن السلام مشروع قديم حيث أن الملائكة عند أن زاروا إبراهيم الخليل بدأوه بالسلام كما في قوله تعالى (وهل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً)( ) قال سلام كما جاء في الحديث إن الله أمر آدم بأن يسلم على الملائكة فجاءهم آدم فقال لهم السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه رحمه الله كما في حديث أبي هريرة ( ) مرفوعاً إلى رسول الله ﷺ عند البخاري ومسلم وبناءً على ذلك فالسلام مشروع بأدلة الكتاب والسنة كما أجمع على مشروعية السلام علماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لأن فيما جاء في القرآن وفي صحيح السنة ما يكفي في الاحتجاج على أن المشروع عند اللقاء هو السلام لا غيره من الكلمات التي اعتاد الناس التحية بها مثل (أسعد الله صباحكم) أو (صبحكم الله بالخير والعافية) أو (مساك الله بالخير) أو نحوها من الكلمات التي لم يرد فيها حديث عن النبي ﷺ لا بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف وعلى هذا الأساس فالمشروع للمسلم أن يقول لصاحبه المسلم عند اللقاء به أو عند الدخول إلى بيته أو مكتبه أو دكانه أو إلى أي محل يجده فيه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحسن من أن يقول له "صباح الخير" أو "أسعد الله صباحكم" أو "مساكم" ولا مانع من أن يجمع بين التحيتين على أن يبدأ أولاً بالسلام ثم يقول له "أسعد الله صباحك بالخير" أو نحو هذه الجملة لأنه دعاء لأخيه بأن يكون في سعادة كأنه يقول اسأل الله أن يجعلك سعيداً في هذا الصباح لأن هذه الجملة من الجمل التي لفظها خبر ومعناها الإنشاء مثل رحم الله فلاناً أي اسأل الله له الرحمة ودعاء المسلم لأخيه مشروع إذا كان سيكون على صفة لا تعارض السنة الواردة عن النبي ﷺ فإذا كانت على صفة مخالفه للسنة مثل أن يكون بدلاً عن السلام المشروع عند اللقاء يكون غير مشروع فالدعاء حينئذ سيكون مشروع بأصله ولكنه غير مشروع بوصفه هذا وأما ما رواه عبدالله بن الإمام أحمد عن الحسن مرسلاً أن رسول الله ﷺ قال لأصحاب الصفة كيف أصبحتم فليس بحجة على جواز إبدال السلام المشروع بقولهم كيف أصبحتم لوجهين :
الوجه الأول : أن هذا الحديث على فرض صحة سنده إلى الحسن فهو مرسل من مراسيل الحسن البصري ومراسيل التابعين غير صحيحة أي أن علماء الحديث لا يقبلون من المراسيل إلا مراسيل الصحابي أما مراسيل غير الصحابي فلا يقبلونه بل يجعلون الحديث الذي أرسله غير الصحابي من قسم الحديث الضعيف وخصوصاً مراسيل الحسن البصري فهي أضعف من غيرها .
الوجه الثاني : أنه ليس في الحديث تصريح بأن النبي ﷺ قد جعل السؤال عن كيفية صباحهم عوضاً عن السلام عليهم بل فيه تصريح بأنه سألهم عن حالهم في ذلك الصباح ففيه دليل على مشروعية سؤال المسلم المسلم عن حاله عند اللقاء أما أن فيه حجة على ترك التسليم وجعل السؤال عن الحال بدلاً عنه فلا والظاهر أنه ما قال لهم (كيف أصبحتم) ( ) إلا بعد أن سلم عليهم السلام المشروع الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة الوارد في الكتاب والسنة وإجماع المسلمين والذي جعله النبي ﷺ من حق المسلم على المسلم ( ) ولهذا كله فالأحوط هو التسليم أولاً ثم السؤال عن الحال في الصباح أو في المساء بقول المسلم بعد التسليم لأخيه كيف أمسيتم أو كيف أصبحتم التي اختصرها العامة فقالوا كـ(مسيتو) أو كـ(صبحتوا) أو التسليم ثم الدعاء من المسلم لأخيه المسلم بأن يكون صباحه صباح خير أو صباح نور . وقد ورد في سنن ابن ماجه بإسناد لين من حديث أبي سعيد الساعدي أن النبي عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام دخل على العباس فقال السلام عليكم فقالوا وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فقال (كيف أصبحتم قالوا بخير بحمد الله كيف أصبحت بأبينا وأمنا يا رسول الله فقال أصبحت بخير أحمد الله فهذا الحديث قد جمع النبي ﷺ فيه التحية المشروعة مع المجاملة المعتادة وهي السؤال عن حالة المخاطب صباح ذلك اليوم . فمن كان يريد أن يحتج على أن السلام هو المشروع وأن غيره من الكلمات التي صار الناس يحيى بها بعضهم غير مشروع فليأت بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة المؤيدة بالإجماع بدلاً من الاحتجاج بحديث السلام تحية أمتنا وأمانا لأهل ذمتنا وهكذا حديث من (بداء بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه فإن كلا الحديثين غير صحيحين.
والخلاصة لما جاء في جوابي هذا ينحصر فيما يلي:
(1) التحية المشروعة هي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أو الاكتفاء بالسلام عليكم لكن الأفضل هو أن يتم السلام بالرحمة والبركات .
(2) قولهم "صباح الخير" أو "مساء الخير" خلاف المشروع الوارد عن النبي ﷺ .
(3) حديث (السلام تحية ملتنا وأمان أهل ذمتنا) حكم ابن الجوزي والصاغاني بوضعه واعترض السيوطي وابن عراق على ابن الجوزي بأن له طرق أخرى وأجاب عليهم المعلمي بأن جميع طرقه لا يخلوا من راو مجروح .
(4) حديث (من بدأ بالسلام قبل الكلام فلا تجيبوه) غير صحيح عند الحفاظ .
(5) حديث (لا يؤذن لمن لم يبدأ بالسلام) هو من الأحاديث الواهية
(6) قد جاء في بعض الأحاديث الجمع بين السلام وغيره .
(7) يغنى عن الاحتجاج بهذه الأحاديث الاحتجاج بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة وهي كثير معروفه عند العلماء.
(8) من يريد أن يحيي غيره بغير السلام فلا مانع له لكن بعد أن يأتي بالتحية المشروعة وهي السلام عليكم وإن زاد ورحمة الله وبركاته فهو أفضل والله سبحانه أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم .
س:هل ورد النهي عن السلام على من يأكل أو يتوضأ ؟
ج:السلام من القادم على الواقف مشروع بالإجماع ولا فرق بين من كان جالساً يأكل أو جالساً يتوضأ للصلاة، ولم أطلع على حديث صحيح صريح في الدلالة على عدم مشروعية السلام على من كان يتوضأ أو يأكل حتى يكون هذا الحديث مخصصاً للأدلة الدالة على جهة العموم على مشروعية السلام على الجالس من القادم إليه ، وبناءً على ذلك فاللازم العمل بالأدلة العامة الدالة على مشروعية السلام على الجالس من القادم إليه حتى يرد دليل صحيح صريح في الدلالة على أنه لا يشرع السلام من القائم على القاعد إذا كان القاعد في حال الأكل أو في حال الوضوء للصلاة بل قد جاء بما يدل من باب مفهوم المخالف على الجواز وهو الحديث الصحيح ( ) الذي حكى عن بعض الصحابة أنهم سلموا على النبي ﷺ وهو في حال الصلاة فلم ينههم النبي عن ذلك، بل أجاب عنهم بالإشارة بإصبعه كما جاء في بعض الأحاديث ( ) وبالكلام بعد فراغه من الصلاة كما في حديث آخر. فإذا كان الرسول ﷺ قد أقر من سلم عليه وهو يصلي فبالأولى والأحرى أن يقر من يسلم على الآكل في حال أكله أو المتوضئ في حال وضوئه . هذا وأما ما جاء في بعض الآثار (لا سلام على أكل أو لا سلام على طعام) فليس هذا الكلام حديثاً نبوياً كما نص على ذلك السخاوي في المقاصد الحسنه والعجلوني في الكشف والديبع في التمييز والبيروتي في أسنى المطالب وغيرهم من العلماء الذي ألفوا في الأحاديث المشهورة الدارجة على ألسنة الناس وميزوا فيها الطيب من الخبيث كما ميزوا بين الصحيح والضعيف والموضوع من الحديث وأما قول بعض العلماء الذين نقلوا حديثه هذا الكلام بأن معناه صحيح فليس بصحيح وأما قول بعض العوام عند قدومهم على من كان على مائدة الطعام : "لا سلام على طعام" فإن المراد هنا بالسلام المصافحة ، وليس مرادهم التحية بالسلام ، وعلى فرض أنهم يريديون بالسلام التحية فما يفعله العوام أو يقولونه ليس حجة شرعية بل الحجة الشرعية هو الأدلة الدالة على مشروعية السلام العامة لجميع الناس على أي صفة كان المسلم عليه ، ولا سيما وقد أقر النبي ﷺ من سلم عليه وهو في حال الصلاة وبالأولى من كان يغسل يديه أو وجهه أو يتمضمض أو يغسل أي عضو من أعضاء الوضوء فإن رده السلام غير عسير عليه وهكذا بالأولى من كان يأكل فإنه لا يصعب عليه أن يقول وهو في حال أكله وعليكم السلام ورحمة الله .
2021-08-25 08:12:52