الأخذ من إفتاء المحدثين إفتاء المحدثين
السؤال :
كثيرًا ما نجد لعلماء الحديث القدماء والمحدثين اجتهادات فقهية في مسائل معينة وربما لم يُسبقوا إلى بعض هذه الاجتهادات من قبل، فيرد عليهم أهل الفقه أو المناظر لأهل الحديث بأن صاحب هذه الاجتهادات ليس من المتخصصين في الفقه وبالتالي يبني على ذلك ردّ هذه الاجتهادات، وعدم التعويل عليها، فهل يمكن الاعتماد على هذه الاجتهادات من أهل الحديث؟وهل يتنافى الأخذ باجتهاداتهم مع ما نسميه احترام التخصص؟
الإجابة
فمما يجب أن نعلم أن كل محدث كان فقيها وأنهم كانوا يتحرون في استنباطاتهم صحة الحديث إلا أنه جاءت فترة ضعف للعلم وانتقل بعضهم يجمع الأسانيد والاستكثار منها والتفاخر بأنه جمع كذا وكذا طريقا للحديث الفلاني وهؤلاء هم من أطلق عليهم بالمسندين الذين لم ينشغلوا بالمتون إلا أن بعضهم بقي على الطريقة الأولى وحصل نوع افتراق بين العلوم في تلك الفترة وكان منهم من هو منشغل بالأسانيد دون التفقه بمتونها حتى بدر منهم فتاوى مضحكة مثل ما نقل الخطابي في معالم السنن قال : وكان بعض مشايخنا يروي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق قبل الصلاة يوم الجمعة بإسكان اللام قال وأخبرني أنه بقي أربعين سنة لا يحلق رأسه قبل الصلاة قال : فقلت له إنما هو الحلق جمع حلقة وإنما كره الاجتماعٍ قبل الصلاة للعلم والمذاكرة وأمر أن يشتغل بالصلاة وينصت للخطبة فقال قد فرجت علي وكان من الصالحين . وهناك أخبار أخرى نقلت عن بعض من هذا الصنف ينظر * الفصام المبتدع بين أهل الفقه وأهل الحديث ص 76 * و (إصلاح غلط المحدثين ص38) ومنهم من بقى على الطريقة الأولى جامعا بين الفقه والحديث ومنهم من انشغل بالفقه فقط حتى إنه ليستنبط الاستنباطات ويفرع الفروعيات من الحديث الضعيف جدا وربما كان موضوعا وبالتالي فإن نقد بعض أهل العلم على أن فلانا ليس من المتخصصين بالفقه يتجه لمن انشغل بحمع الأسانيد دون الانشغال بالفقه وعليه فيكون اللوم متجها لهذه الفئة ولا تعمم على الجميع كما حصل من بعض المتحاملين على أهل الحديث من المتقدمين والمتأخرين ولا يعتمد على اجتهادات أو أقوال هؤلاء والأخذ بأقوال هؤلاء يتنافى مع احترام التخصص وهكذا أيضا من كان منشغلا بالفقه دون الدراسة لعلم الحديث فإنه لا يعتمد اعتمادا كليا على اجتهاداته واستنباطاته لأنه قد يعتمد على حديث ضعيف جدا أو موضوع أما إن صدر الاجتهاد من المحدث الفقيه فإنه يؤخذ باجتهاده ما لم يوجد ما يعارضه فإن الاجتهاد ليس نصا قاطعا بل يجوز نقضه باجتهاد مثله .
ورحم الله الخطيب البغدادي الذي حاول التوفيق بين الفريقين فقال في كتابه (الفقيه والمتفقه 2/71ـ73) تحت باب (إن مثل العلماء في الأرض كمثل نجوم السماء يهتدى ىبها في ظلمات البر والبحر) فليراجع هنالك .
2021-12-13 12:46:44