الاستعانة في جمع مادة البحوث العلمية
السؤال :
فإن من المسائل التي انتشرت في الآونة المتأخرة وكثر السؤال عنها مسألة تكليف الآخرين بكتابة أبحاث لهم مقابل أجر متفق عليه ثم ينسب ذلك البحث للمكلف وسواء كان هذا البحث رسالة علمية أكاديمية أو تحقيقا وتخريجا للكتب أو مقالات وفتاوى.
الإجابة
أما الاستعانة في جمع المادة العلمية فهذا لا بأس به ـ إن شاء الله ـ إن كان المكلف عالما وعنده القدرة على البحث ومتمكنا منه تمكنا كاملا ولكن لكثرة مشاغله يستعين بمن يراه أهلاً لذلك ويقوم المكلف بالترتيب والتقديم والتأخير والتنسيق والترجيح والنظر في الأدلة والمناقشات للأقوال وهو داخل قوله تعالى ((وتعاونوا على البر والتقوى …)) وهذا ينسحب على الأبحاث العلمية الأكاديمية وتجهيز المحاضرات والندوات وأوراق عمل المؤتمرات والأبحاث عبر المواقع الالكترونية … وغير ذلك وقد كان بعض السلف يعملون ذلك قال أحمد بن سلمة تلميذ الإمام مسلم بن الحجاج رحمة الله على الجميع: كنت مع مسلم في تأليف صحيحه خمس عشرة سنة [1]. وسواءً كانت هذه الاستعانة مقابل مال يدفعه المكلف أو تطوعاً من الباحث فإن أخذ الأجر على مثل هذا الأمر مشروع إذ قد يستغرق البحث أشهراً عديدة وكفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول أو يقوت
وأما إن كان المكلف لا قدرة عنده على البحث فهذا تعاون على الإثم والعدوان لأنه إعانة للمكلف على أن يتشبع بما لم يعط و(المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)كما قال عليه الصلاة والسلام
ولكن إن كان الباحث بأجر يقوم بالعمل كله ولم يقم المكلف بأي دور فهذا محرم وتعاون على الإثم والعدوان وهو بالنسبة للمكلف كما جاء في الحديث ” المتشبع بما لم يعط” وسواءً كان المكلف عنده قدرة على جمع المادة وترتيبها والتقديم والتأخير والنظر في الأدلة والأقوال أو لم يكن عنده القدرة وإن كان إثم الجاهل أعظم
وأما إذا كان العمل مشتركاً بينهما فالباحث بالأجرة يقوم بجمع المادة وترتيبها بحسب خطة البحث ويقوم المكلف بالتقديم والتأخير والإضافة والتعديل فهذا العمل فيه تفصيل بناءً على كون المكلف متأهل للبحث أو غير متأهل:
فإن لم يكن متأهلا فحكمه حرام كما تقدم.
وإن كان متأهلاً فلا بأس شريطة ألا يكون البحث فيه درجة علمية ولا ترقية وظيفية يشترط فيها أن يقوم الباحث بالبحث بنفسه لأنه يتنافى حينئذ مع المقصود من البحث إذ المقصود إظهار قدرة الباحث على البحث وإظهار إبداعه لكنه يجوز له أن يستعين بمن يساعده في جمع المادة فقط
وبناءً على ما سبق:
فالمكلفون بمثل هذه الأعمال نوعان :
الأول عنده أهلية للبحث والنظر في الأدلة والأقوال والترجيح فيما بينهما
الثاني ليس عنده أهلية
فالمتأهل الذي يكلف من يجمع له المادة فقط ثم يقوم هو بالترتيب والتقديم والتأخير والترجيح والتصحيح للأقوال والأدلة يجوز له أن يحصل على الشهادة العلمية والترقية الوظيفية وكذلك الدعوة إلى الله والمشاركة في المؤتمرات والندوات وكذا نشر العلم والتصدي للبدع والباطل والمبطلين والفرق بين الاستعانة في جمع المادة للرسائل العلمية وأبحاث الترقية ومن يكلف من يقوم بكتابة البحث كاملا ولا يقوم هو إلا بالنظرة الأخيرة واضح جدا فالاستعانة وكذا الاستشارة جائزة وتجهيز البحث تجهيزا كاملا غير جائز
وأما غير المؤهل فيحرم عليه ذلك كله لأن عمله قائم على الغش والخداع والتعاون على الإثم والعدوان من قبل الباحث أو الباحثين لأن مقصود الجامعات أو الجهات التي تمنح الترقيات تمرين الطالب على البحث واختبار قدراته فواجب عليه أن يقوم بذلك بنفسه ـ ولا بأس بالاستعانة بجمع المادة كما تقدم ـ فإن كلف من يقوم له بالعمل كاملا ولم يقم هو إلا باللمسات الأخيرة فهو متشبع بما لم يعط والقائم أو القائمون بالبحث معينون له على الكذب والغش ومساعدون على منح الشهادات والدرجات لمن لا يستحقها وهذا من الفساد العام وما تحصلوا عليه من مال فهو حرام و (كل جسد نبت من السحت فالنار أولى به)[2] .
أما الصور التي تقع في بعض المواقع العلمية ومنها أن يكون المكلف صاحب الفكرة والنقاط فهذه يجب أن تنسب إلى صاحب العمل (الباحث) وإن كان قد أخذ أجراً على عمله ومثله مثل المستكتبين في الصحف والمجلات لكن لا يبقى لهذا الشخص أي حق فقد دفع له حقه مسبقاً فالموقع هو صاحب ذلك الحق في الطباعة وأخذ الإذن بالطباعة إلا إذا كان هنالك نظم وقوانين يرجع إليها في مثل هذه الحالات فتطبق عليه . والله أعلم
ما يفعله بعض الدعاة من تكوين فريق عمل:
وأما ما يفعله بعض الدعاة من تكوين فريق عمل ليقوم نيابة عنه بالبحث والجمع والتحرير والكتابة والتنسيق ويقوم هو بإلقاء تلك المادة فإن المكلف غالباً ما ينظر ويتحرى ويتأكد من تلك المادة ثم إن ما يلقى في الغالب ليس هو عين ما كتب وحين تفرغ المادة من الأشرطة تعرض عليه مرة أخرى وربما زاد فيها وأنقص منها وعليه فلا حرج من أن ينسب ذلك الكتيب إليه ويكون له كافة الحقوق
ما يقع في بعض المواقع
وأما ما يقع في بعض المواقع التابعة لبعض الدعاة والمشايخ فإن كان لا يعرف بالفقه والفتوى فلا يجوز أن تنسب الفتاوى والأبحاث إلى شخصه وإنما إلى لجنة البحوث والفتوى في الموقع
فإن كان من أهل العلم وله رأي معلوم في المسألة فلا بأس من أن تنسب الفتيا أو البحث إليه إذا تم العرض عليه و توافق ذلك مع رأيه
وإن كانت الفتيا أو البحث يخالف رأيه المعلوم لكن تم العرض عليه ثم غير رأيه الأول وأضاف كتابة تراجعه في الفتيا أو البحث الجديد فإن لم تعرض عليه فلا تنسب إلا إلى لجنة الفتيا في الموقع
وأما إن كان ليس له رأي معلوم في المسألة فإن عرضت عليه الفتيا وأقرها وهكذا الأبحاث فلا بأس بأن تنسب إليه .
ولكن إن كان ليس من أهل العلم أصلا فهذا لا يجوز أن تنسب إليه الفتاوى والأبحاث كونه ليس عالما ولا متأهلا للفتيا ولا كتابة الأبحاث سواء عرضت عليه أم لا .
حكم التنازل عن الحق الأدبي و المعاوضة
وأما حكم التنازل عن الحق الأدبي و المعاوضة عليه فمن أ جزنا له ما سبق فله الحق الأدبي و يجوز له التنازل عنه و المعاوضة عليه ومن منعناه فليس له أي حق أصلا
وقد ذكرت فيما مضى أن من استكتب من موقع الكتروني مثلا ثم أعطي أجرا على كتابته ووقع العقد مع الموقع أو كان الاتفاق أدبيا أن كافة الحقوق تصير للموقع فليس له حق بعد استلام أجرته إلا إن وجد قانون ينظم تلك الحالات فالمرجع إليه كأن يجوز له القانون بعد مدة معينة الاستفادة مما كتبه ويجب التفريق بين العالم الكبير المشتغل عن الكتابة والبحث والذي لا يعجز عن كتابة بحث لكن يدفعه لغيره لشدة انشغاله وبين من كان غير مؤهل ولا قدرة عنده على كتابة مثل هذه الأبحاث .
وإن كان الأفضل في الأبحاث التي يكتفي فيها المكلف بالنظر وشيء طفيف من التعديل أن يكتب على الأبحاث قام بهذا العمل وحدة الدراسات والإفتاء بإشراف فلان وتتبعه هو شخصيا كافة الحقوق كونه قد أعطى للموظفين أجورهم المتفق عليها وقد سبق الكلام في المادة التي تجمع لتكون محاضرة ثم تفرغ لتصبح كتبا.
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
2021-09-25 12:07:42