الصاق القدم بالقدم في الصلاة
السؤال :
نرى بعض طلبة العلم إذا صلى يتحرى إلزاق قدمه بقدم جاره , مع أن بعض الناس ينفر من ذلك , ويرى أن في هذا تعنتًا وتشددًا , ويقول: لا بأس بالاقتصار على إلزاق خنصر القدم , ولا حاجة لإلزاق القدم كله, فما هو الصحيح في ذلك؟
الإجابة
مما يجب على المسلمين أن يسووا صفوفهم ، ويقيموها في الصلاة , كما جاء من حديث أنس – رضي الله عنه – أن رسـول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال: ” أقيموا صفوفكم , فإني أراكم من وراء ظهري ” أخرجه البخاري (718) ومسلم (125) , وفي روايه عند البخاري (725) قال أنس: ” وكان أحدنا يُلزق منكبه بمنكب صاحبه , وقدمه بقدمِه ” . وعند أبي يعلى (3720) وغيره زيادة – تُنْظر – وهي: قال أنس: ولو ذهبتَ تفعل ذلك اليوم ؛ لترى أحدهم كأنه بغل شموس . أي: ينفر منك .
وعند البخاري (717) ومسلم (436) من حديث النعمان بن بشير, أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال: ” لتسوُّنَّ صفوفكم , أو ليخالفن الله بين وجوهكم . ” , وفي رواية لمسلم: كان رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يسوِّي صفوفنا , حتى كأنما يسوِّي بها القِداح , حتى رأى أنّا قد عقلنا عنه , ثم خرج يومًا , فقام حتى كاد يكبِّر , فرأى رجلاً باديًا صدرُه من الصف, فقال: ” عباد الله ! لتسوُّن صفوفكم , أو ليخالفن الله بين وجوهكم “ .
فحديث أنس الأول يصرح بأن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يلزقون أقدامهم ومناكبهم , وهذا خلف رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – في الصلاة , ومعلوم أن مِن خصائصه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه يرى من وراء ظهره في الصلاة , وقد تكلمت على ذلك في كتابي ” كشف الغمة ببيان خصائص رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – والأمة ” وبهذا يصح أن يقال: هذه سنة تقريرية , وليست فقط من فعل الصحابة , وهذا الذي ينبغي أن يفعله المصلي مع جاره في الصلاة , أما الزيادة التي في حديث النعمان: ” فرأيت الرجل يلصق منكبه بمنكب صاحبه , وركبته بركبة صاحبه , وكعبه بكعبه ” . فهذه الزيادة رواها أبو القاسم الجدلي عن النعمان , وخالفه سالم بن أبي الجعد وسماك – كلاهما عند مسلم – وأبو قتيلة مرثد بن وداعة الصحابي عند الدولابي (2/86) بسند فيه ضعف ، كلهم رووه بدون هذه الزيادة ، مقتصرين على قوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –: ” أقيمـوا صفوفـكم – ثلاث مرات – فوالله لتُتِمُّنَّ صفوفكم ، أو لتخلِفَنَّ قلوبكم ” ، فيظهر أن هذه الزيادة شاذة ، وفي لصوق الركبة بالركبة عُسْرٌ وتكلف . والله أعلم .
وإذا كان ذلك كذلك ؛ فمن ألزق المنكِب بالمنكب , والقدم بالقدم , ولم يتقدم ولم يتأخر عن الصف ؛ فإن الركبة تحاذي الركبة , والكعب يحاذي الكعب , وهذا ما يستفاد من مجموع الأحاديث , لاسيما عند عدم ثبوت زيادة أبي الجدلي , وهو صدوق خالف من هو أوثق منه , ولعل في الاكتفاء بإلزاق: القدم , والمنكب بالمنكب , ومحاذاة الكعب بالكعب ؛ ما يساعد على الخشوع والاعتناء بالقراءة والأدعية في الصلاة , فليس الأمر كما يفعله العامة من وجود المسافة بين المصلي وصاحبه , مما يؤدي إلى دخول الشيطان على المصلي , كما جاء في حديث أبي هريرة , أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال: ” رُصُّوا صفوفكم, وقاربوا بينها , وحاذوا بالأعناق , فوالذي نفسي بيده , إني لأرى الشياطين تدخل من خلال الصفوف , كأنها الحَذَف . ” أخرجه أبو داود وغيره , وقد صححه شيخنا الألباني – حفظه الله – في ” صحيح الجامع ” (3505) والحَذَف بالحاء المهملة وفتحتين: غنم سود صغار من غنم الحجاز , وقيل: هي صغار جرد , ليس لها آذان ولا أذناب , يجاء بها من جُرَش باليمن . ا هـ من ” النهاية ” .
وليس الأمر كما يتهاون البعض , ويقتصر على أن يُلمِّس أصبعه بأصابع صاحبه , كما أنه ليس الأمر كما ترى البعض يبالغ في مزاحمة صاحبه حتى يفقد هو ومن حوله الخشوع في الصلاة ” فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ” .
ومبالغة البعض في الزحام – على ما فيها – أخف وأهون من تفريط من فرّط بإقامة الصف , ولم يسد الخلل , ودع عنك استهزاء المستهزئين بسنة رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – عندما تنصحه بسد الخلل ؛ كي لا يتدخل الشيطان , فيقول: إذا كان كذلك فإنه سيدخل من بين أرجلنا !! هكذا يغويه الشيطان , ويريد أن يُضحك الناس بالاستهزاء بالسنة , فهذا الصنف يُخشى عليه من الفتنة في الدين , وسوء الخاتمة والعياذ بالله – إذا كان عالمًا بالسنة ، مستهزئًا بما جاء فيها – إلا أن يسارع بالتوبة إلى الله U , وتعظيم شعائر الله , ويتوب الله على من تاب , والعلم عند الله – تعالى – .
2021-09-12 13:03:19