الفتوى أهميتها وخطرها
السؤال :
أهمية الفتوى وخطرها
الإجابة
الجواب وبالله التوفيق:
لاشك أن الفتوى أمرٌ خطير ومنصبٌ كبير، و أهميتهُ عُظمىَ، كما أن خطرهُ أيضاً شديد، فهو توقيعٌ عن الله _عزَّ وجل_، وصفه وكرره العلماء _رحمهم الله تعالى _، بل من أهمية الفتوى أن الله _عزَّ وجل_ تولى الإفتاء بنفسه { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ۖ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} [ سورة النساء : من آية 127 ]، { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [ سورة النساء : من آية 176 ] الله أفتى _سبحانه وتعالى_ مباشرةً، كما أن من أعظم وظائف رسول الله (ﷺ) أن يفتي أُمته ويُبيّن لها الحلال والحرام، والحق والباطل، ويرشدها إلى ما ينفعها، ويُحذّرها مما يَضُرُها، وهذا كله جانب من جوانب الفتوى، إذاً فالذي يتصدى لهذا المنصب، يجب أن يكون على المستوى الذي يؤهلهُ لذلك، وهو بين أمرين: إما أن يكون مُبّلغً عن الله، وعن رسوله (ﷺ)، وذلك حينما يكون يعرف ويعلم ويُتقن هذا الباب، فهو من الذين يُبلغون رسالات الله، وقد مدحهم الله _سبحانه وتعالى_ وبيّن فضلهم ومقامهم و أرشد بالتوجه اليهم {فَاسْـَألُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }
[ سورة الأنبياء : من آية 7 ]، و إمّا أن يكون متقول على الله وعلى رسوله، وهذا يعتبر من الكاذبين، بل هو يمارس ابشع أنواع الكذب، { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هٰذَا حَلٰالٌ وَهٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ } [ سورة النحل : 116 ]. يقول المُفتي أن مسألة الفتوى خطيرة، والتعرض لها خطيرٌ على من يفعلهُ، بل و ربما أدى الضلال و إلى الإظلال، فرسول الله (ﷺ) يقول «إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا».
حينما يُفتي المفتي بغير علم، فليعلم أنه يُضل في نفسه بكذبهِ على الله وعلى رسوله، وهو يُضل من يستفتيه، ويثق به ويأخذ بفتواه التي ليست مبنيه على أصولها هذا من جانب، فليحذر الذين يتسابقون على هذه الوظيفة، وعلى هذا المنبر العظيم، وعلى أن يكونوا في هذا المقام وهم ليسوا من أهله، فأصحاب رسول الله (ﷺ) قد كانوا يحذرون أشدّ الحذر، فذكر أحد التابعين _رضوان الله عليهم _ قال وهو عبد الرحمن بن أبي ليلى قال «أدركت مائة وعشرين من الأنصار، من أصحاب رسول الله (ﷺ)، يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول» وفي رواية أخرى لا يُسئل أحدهم «وما منهم من أحد يحدث بحديث، أو يسأل عن شيء، إلا ودّ أن أخاه كفاه» يتمنى لو غيرهُ أفتى، ولم تصل المسألة أو الاستفتاء إليه، إذاً يعني فالجرأة والتسرع على الفتوى أمرٌ ممقوتٌ، ومذموم، هذا من جانب، الجانب الآخر أنه الذي يتصدى لهذا الباب عليه أن يتقي الله، ويراقب الله _عزَّ وجل_ وألا يكونَ في نفسه هوى، لا هوّى بالتشديد على الناس، ولا هوّى بالترخص والتيسير المفرط غير المنضبط أيضاً، ولا هوى في التمييز، يسأل جهة أو شخص فيُفتى بنوع من الفتوى، ثم يُسئل من جهة أخرى أو ربما نفس المسألة، و إذا بنبرة الخطاب، و إذا بالشدة التي كانت موجودة تخف أو اليسر الذي كان موجود يتقلب، يُبّدل إلى تشديد، بل يتقي الله وينظر كيف يُخلص نفسه، قد ذكر السلف أن من اُستُفتيا، فقد جُعِلَ بين الله وبين خلقه، فلينظر كيف المخرج، لا ينظر هل يرضى هؤلاء أو لا يرضون، و إنما ينظر هل يرضي الله أم لا يُرضيه، كيف يُبرأ ذمته، ويخرج من المسؤولية، هذا هو الذي يجب على المفتي، وقد وضع العلماء للمفتي شروط وصفات، ونحن في زمننا هذا لو ذهبنا نستقصي تلك الشروط والصفات والضوابط التي وضعت للمفتين، لقلة من نجد من أولئك الذين تنطبق عليهم تلك الشروط، ولكن لاشك أن للزمان حكم، ويقبل في زمن ضعف وقلة وندرة العلم والعلماء ما لا يقبل في ما هو في زمن كثرتهم وتوفرهم و انتشار العلم وظهوره، إذاً هذا الذي ينبغي أن نذكره في هذا الجانب.
2021-11-15 07:31:39