المشاركة في حملة المليون توقيع
السؤال :
ما حكم المشاركة في حملة المليون توقيع وهل هي إقرار بشرعية (الأمم المتحدة)؟|
الإجابة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وبعد:
فقد ورد سؤال من بعض إخواننا في صنعاء يتعلق بالحملة التي تقوم بها مؤسسة الشيخ عيد بن محمد آل ثاني لجمع مليون توقيع، والإرسال بها إلى الأمم المتحدة للتعبير عن الاستنكار لما تقوم به دولة الاحتلال الصهيوني من حفريات حول المسجد الأقصى بهدف توهين جدرانه ليسقط ويبنى على أنقاضه هيكلهم المزعوم، والمطالبة بإيقاف تلك الحفريات وغيرها من أوجه العدوان على المسجد الأقصى وما حوله.
وكان أبرز ما في الأسئلة المذكورة: الإشارة إلى أن هناك من الإخوة طلبة العلم من يستنكر ذلك العمل، ويعتبر أنه إعلان بشرعية تلك المنظمة، والرضا بحكمها المخالف لشرع الله، أو نحو هذه الملاحظات، ويريد السائلون معرفة الحكم الشرعي لتلك الحملة. فأقول وبالله التوفيق:
إن العلماء والدعاة جميعاً يدركون أن الأمم المتحدة ما كانت يوماً حاكمة بشرع الله، ولا واقفة مع الحق الجلي، وإنما تحكم بما زينه واختاره واضعو القوانين الدولية من قبل أنفسهم، وهي واقعة تحت ضغوط الدول الكبرى ذات النفوذ والهيمنة، وأبعد الناس عن نيل حقهم منها هم المسلمون.
هذه حقائق لا نختلف عليها، غير أن ذلك لا يجعل المسلمين يلغونها من الوجود، أو يتجاهلونها وهي ماثلة للعيان، مؤثرة غاية التأثير فيما يدور من قضايا عالمية، وإن كانت في غالبية مواقفها مع الظالم المعتدي على المظلوم، وإذا كان الأمر كذلك فليس من إعطائها الشرعية أو الرضا بحكمها الطاغوتي أن يلجأ إليها المظلوم طالبا ًإنصافه ممن ظلمه، وإيقاف عدوان المعتدي عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكة يقبلون جوار من يجيرهم من سادات قريش ليمنع عنهم الظلم والاعتداء، وما عدّ ذلك رضا بما هم عليه من الشرك والأحكام الجاهلية، وهكذا عندما ضاقت الأمور على المسلمين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة كون ملكها لا يظلم عنده أحد مع أنه كان يومئذ نصرانياً ولم يكن مسلماً، فكانت علة الهجرة احتمال الأمن لدى ملك الحبشة والسلامة من الإيذاء، وهكذا عندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وطلب منهم النصرة وهم كفرة مشركون، لم يكن ذلك رضاً بما هم عليه، ولا إعلان بشرعيتهم، وهكذا في كثير من فترات التاريخ، وما فعله شيخ الإسلام ابن تيمية مع قازان ملك التتار حين دخل عليه وطلب منه كف ظلمه وظلم أتباعه عن المسلمين، لم يقل أحد أنه اعتراف بشرعيته أو رضا بحكمه، وأيضاً مراسلته لملك قبرص، تلك الجزيرة التي كانت مسلمة ثم استولى عليها النصارى وحكموها بحكمهم، وأسروا من المسلمين أسرى -كاتب شيخ الإسلام ابن تيمية ملكها، وطلب منه فك الأسرى، والإحسان إليهم وإلى من تحت يده من المسلمين، ولم يعد ذلك رضا بحكمه. وهكذا المسلم الذي يعيش في بلد غير إسلامي، أو في بلد لا يحكم بشرع الله إذا ظلم وأخذ حقه، فإن العلماء لا يكادون يختلفون في أن له اللجوء إلى محاكم ذلك البلد لأخذ حقه، وليس ذلك إقراراً بحكمهم، ولا يعد منه تحاكماً إلى الطاغوت لأجل الضرورة. وفي فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله (2/ 74) رسالة مطولة إلى الملك فيصل يقول فيها: "وبمناسبة قرب زمن الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لقيام هيئة الأمم في شهر يونيو القادم، ودعوة ملوك ورؤساء الدول الأعضاء في المنطقة إلى إلقاء كلمات في الجلسة التذكارية لها، لذلك فإني أهيب بهمة جلالتكم أن تشمروا عن ساعد الجد، وتنتهزوا هذه الفرصة الثمينة بالدعوة إلى الإسلام، وتحكيم شريعته، هذا الاجتماع الذي سوف يضم أكثر رؤساء دول العالم الإسلامي وغيرهم، وأن تبينوا لهم محاسن الإسلام". موضع الشاهد أن الشيخ رحمه الله لم يقل له: لا تحضر حتى لا تعطي الشرعية، وإنما قال له: استغل فرصة حضورك للدعوة إلى الإسلام وبيان محاسنه أمام تلك الجموع، فما عد حضوره ولا حديثه إقراراً بشرعيتها ورضا بحكمها، وأنه مخالف للإسلام. وعلى ذلك فإن ما تقوم به هذه المؤسسة والموقّعون على رسالتها ليس فيه أكثر من التعامل مع أمر مفروض واقع، ومحاولة استغلاله لصالح الإسلام والمسلمين، وليس فيه أي محذور، وعلى إخواننا طلبة العلم أن يتأنوا في إصدار أحكامهم على هذه المستجدات ووقائع الأحوال، وأن يرجعوا إلى الراسخين في العلم قبل إطلاق الأحكام التي غالباً ما يكون الدافع لها الغيرة والحماس والعاطفة، وليس الدليل الشرعي المنضبط.
وفق الله الجميع لما فيه الخير والسداد.
2021-10-10 08:18:06