أهمية ليلة القدر
السؤال :
أهمية ليلة القدر وأفضليتها ووقتها وكل ما يتعلق بها من تلك الأحكام.|ـــــــــــ|يعني عشر العمر الحالي.|ـــــــــــ|ولهذا أخفاها الله عز وجل.|ـــــــــــ|إذا ليلة استنفار تعتبر ليلة القدر.|ـــــــــــ|وهنا نقطة مهمة شيخ أحمد أنه بعض الناس يظن أن ليلة القدر هي فقط دعوة تستجاب له في دنياه أو دينه ، ولذلك تجدهم إذا وفق شخص يقول لك هذا أصابته ليلة القدر فينظر إلى هذه ليلة القدر أنه غنيمة يغتنمها بدعوة وليست المسألة أنه يعبدها وأن الهدف منها كيف يصل لها تلك العبادة، أن الكثير من الناس يتعامل مع ليلة القدر أنها غنيمة لدعوة معينة يدعو بها، فتتحقق له ناسياً أو متجاهلاً أنها غنيمة للعبادة ، ليلة القدر عبارة عن موسم ثمين للعبادة تبارك فيه هذه الطاعة وعلى الطريق ، إن كان هناك شيء من الدعوات.|ـــــــــــ|يعني طلبت سيارة تأتيك سيارة ليس بالضرورة ـــــ|إذاً الإجابة لها أربع صور وليست صورة واحدة؟
الإجابة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي تفضل على أمة محمد بخصائص خصها بها من بين سائر الأمم خص الله سبحانه وتعالى هذه الأمة بخصائص عظيمة وكبيرة وفضلها على الأمم السابقة جميعاً وجعلها خير أمة أخرجت للناس من السابقين و اللاحقين ورتب لها إكمال هذه الخيرية وسائل ومناسبات من خلالها ، تظهر هذه الخيرية وترتقي هذه الأمة في مراقي السمو والقرب إلى الله عز وجل ؛ لتكون بالفعل خير أمة وتكون مستحقة لأن تكون نصف أهل الجنة أو أكثر من نصف أهل الجنة يوم القيامة من تلك الخصائص المانحة لهذه الليلة المباركة ، ليلة القدر وهي كما ذكرت في مقدمتك وذكر ذلك العلماء حينما فسروا آيات ليلة القدر وتحدثوا عن هذه الليلة المباركة بأن الأمم السابقة كانت أكثر أو أطول أعماراً ، يعمر فيهم المعمر ألف سنة ،ست مئة سنة نحو ذلك ، فكم يعمل في هذه الأعمال إن كان من الصالحين في هذه الأوقات والليالي وهذه الأيام الطويلة أمة محمد عمرها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من ستين إلى السبعين وقليل من يجاوز ذلك.
ـــــــــــــــــــ
عشر عمر أقل من العشر كيف إذا كانت هذه الأمم بهذه المثابة وأيضاً مفضلة الأمم السابقة بكبر الأجسام وضخامتها وقوتها وشدتها فنحن أضعف أجساماً ممن قبلنا من الأمم في الغالب ، فلذا عوضنا الله عز وجل بأسباب نلحق بها من سبقنا ، بل ونسبقهم كذلك إلى المراتب العليا التي قدر الله أن تكون هذه الأمة فيها هذه الليلة نص القرآن على أنها خير من ألف شهر ، كما قال تبارك و تعالى { إِنَّآ أَنزَلْنٰهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَآ أَدْرٰكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) }[ سورة القدر : 1 إلى 3 ] ،خير من ألف شهر يعني العمل الصالح فيها خير من أن يعمله هذا العامل في ألف شهر قريب من ثلاثة وثمانين سنة ، كما تفضلتم إذاً هذه بركة ومضاعفة في الأعمال و تكريم عظيم لهذه الأمة ، كذلك جاء في الآية الأخرى { إِنَّآ أَنزَلْنٰهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ }
[ سورة الدخان : 3 ] لاحظ الآية الأولى ينص على أن القرآن نزل في ليلة القدر ، في آية سورة الدخان { إِنَّآ أَنزَلْنٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ }
[ سورة الدخان : 3 ]هنا إطلاق قد تكون الليلة المباركة في شعبان ، في ذي الحجة ، في المحرم ، في أي شهر من الشهور، لكن بما أن الله عز وجل قد نص على هذا الإنزال كان في ليلة القدر وليلة القدر بإجماع المسلمين في رمضان إذاً هي ليلة من ليالي رمضان ، الشاهد{ إِنَّآ أَنزَلْنٰهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ }
[ سورة الدخان : 3 ] احسب ما شئت من أنواع البركة مباركة ، مطلقة البركة مطلقة مباركة في ذاتها ، مباركة في الأعمال التي تعمل فيها ، مباركة على من صادفته وهو في عمل صالح ، أنواع البركات مجموعة في هذه الليلة وفيها يفرغ كل أمر حكيم إنها الليلة التي يقدر الله فيها مقادير الخلق للسنة المقبلة إذاً فهذا من هذه الجهة ، هكذا تفضل الله وتكرم الله على هذه الأمة بأن جعل لها ليلة مباركة تتضاعف فيها الأعمال فيكون العمل في ليلة واحدة أفضل من أن يعمل ثلاثا وثمانين سنة ، هذا من جانب ، ثم تسميتها بليلة القدر ليلة القدر، القدر هو المكانة والرفعة الشرف العظيم يقال فلان صاحب ، ذو قدر أي صاحب شرف ومكانة فهذا جانب آخر، أمر مهم ينبغي أن ننتبه له وهو أن ليلة القدر بمقدار ما هي فضل وعظمة وبركة وخير هي أيضاً ليلة امتحان فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في ابن ماجة وغيره أنه قال قد حضركم هذا الشهر وفيه ليلة العمل فيها خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير ولا يحرم خيرها ، فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم فلاحظ الذي يفوز فوزاً لا يوازع والذي يحرم حرماناً ليس بعده حرمان ، حرم الخير كله ، كما جاء في بعض الروايات كل خير يحرمه.
ـــــــــــــــــــ
نعم ومن هنا يجب أن يحرص المسلم على أن تكون ليلة القدر وهو مهيأ لها وهو من أهل العبادة ،من أهل الصلاح من أهل الخير ولا تأتي هذه الليلة وهو على نقيض ذلك وهو غافل وهو في مجونه وهو في لهو و هو يتابع للأسف الشديد ما قذفنا به أصحاب الإعلام أو كثير من أصحاب الإعلام بالملهيات والمغريات التي تسرق الأوقات وتذهب البركات وتصرف الناس عن الطاعات ، فيأتي وهو مشغول في فيلم في مسلسل فيه من الذنوب وفيه من المعاصي وفيه من الغفلة ، ما الله به عليم لأن في تلك الليلة ، كما قال الله عز وجل { تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ }[ سورة القدر : 4 ]كيف تتنزل الملائكة لتحف بأهل الأرض فتبارك لأهل الطاعات وتؤنسهم وتطمئنهم وتشجعهم وتحثهم على الازدياد من الخير وتشهد لهم بذلك عند الله.
نعم فتصور حينما تأتي هذه الملائكة وجبريل معها ويطوفون بأرجاء الأرض وكل مكان ويشهدون على الناس بما يعملون فيشهدون على أهل المساجد ، يشهدون على أهل القرآن يشهدون على أهل الخلوات الذين يخلون بأنفسهم في تلك الليلة في المسجد أو في غير المسجد ولكنهم متجهون إلى الله متفرغون عن كل شيء إلا الله فيذهبون ويرفعون تقاريرهم ،عبدك فلان متفرغ لك يذكرك يدعوك ،يستغفرك ،يعمل العمل الصالح ،ثم يأتي تقرير عن فلان ،عبدك فلان عاصي ،عبدك فلان سكران ،عبدك فلان في الأسواق يتحكك بالنساء و المرأة في السوق أيضا تعلو مفاتنها ، تفتن الرجال تحتك بهم تعمل ما لا يرضي الله في بيتها هنا أو هناك فكيف يكون هذا التقرير بالنسبة لهؤلاء الغافلين والجاهلين والعاصين في هذه الليلة إذاً هي ليلة عظيمة نعم ولكنها ليلة اختبار فيجب أن ننتبه لها بمقدار ما نفرح بها أيضاً بمقدار ما نخشى على أنفسنا من الخسارة فيها.
ـــــــــــــــــــ
نعم صحيح ليلة القدر هي خير من ألف شهر أي تتضاعف فيها الأعمال بحيث يكون كل عمل تعمله في تلك الليلة وكأنك يعني بالمثال أنفقت ريالاً فكأنك أنفقت هذا الريال في ألف شهر يعني بثلاثين ألف ريال، يحسب لك وكأنك أنفقت ثلاثين ألف ، فإذا عمل مبارك خير ومن هنا فينبغي التركيز على ماذا نعمل في ليلة القدر لا على ماذا نجني من الأمور التي قد يلمسها الإنسان في حياته ، تعمل فتأتي الثمار في الدنيا وفي الآخرة ، تأتي البركات أشرنا إليها نصت عليها الآية في ليلة مباركة هذه البركات أيضاً تأتي بركات في الدنيا وفي الآخرة وبركات في الآخرة أما مسألة الدعاء ، فحقيقة ينبغي أن ننظر إلى الدعاء من منظورين من منظور العبادة { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }
[ سورة غافر : من آية 60 ]ادعوني أستجب لكم أمر من الله بأن ندعوه ،و وعد منه والآيات في هذا كثيرة جداً ، نص الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الدعاء هو العبادة أي هو صلبها وهو خلاصتها وهو أصلها ،إذا الدعاء عندما نتخذه عبادة فإننا نظفر بخير ، كثير ندعوا الله ليلة القدر فيضاعف الله لنا الأجور لأن عبدناه بأحب الأعمال أو بأوضح الأعمال في عبادته سبحانه وتعالى وهو الدعاء هذا مهم والأمر الآخر أن ندعو من أجل أن نكسب من هذا الدعاء ، تحقيق الرغبات صحيح هو مطلوب من الذي يجيب ، من يغفر الذنوب إلا الله من الذي يستجيب من الذي يعطي السائلين ، من الذي ينقذ المكروبين ، من الذي هو الله سبحانه وتعالى ولا شك أن اعتمادنا في هذا يكون على الله ، لكن لا يكون هدفنا كما أشرت مادياً أنا أدعو من أجل أن أحصل على شيء في يدي مباشرة ،هذا أمر لا ليس من خلقي ولا من شأن المؤمن بل الدعاء قد تدعو في ليلة القدر بأن يعطيك الله عز وجل شيئاً فلا تراه لماذا؟ لأنه ليس بالضرورة أن تكون الإجابة على الدعاء أو الاستجابة للدعاء بأن يتحقق للنفس ما تدعو به.
ـــــــــــــــــــ
أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا وفق للدعاء فقد وفق للإجابة إنما وفق حكمة الله وليس وفق رغبته ، فالله عز وجل أما أن يعطيه ما سأل، كما سأل وإما أن يصرف عنه هذا الذي سأله ليعطيه ما هو أفضل وخير له منه وإما أن يدفع عنه من الشر ما هو أعظم عليه منه وإما أن يدخره له أجراً وثواباً يوم القيامة يفرح به ينظر إليه من أين جاء هذا الأجر والثواب؟ جاء بالدعوة التي أطلقتها ورفعت بها يدك إلى الله ولم ترى ثمرتها في الدنيا هذه هي يوم القيامة وهذا خير وأعظم ،من أضعاف ما في استجابتها العاجلة وبنفس اللفظ الذي يطلقه الداعي.
ـــــــــــــــــــ
ليست صورة واحدة فالدعاء ليلة القدر دعاء مستجاب قطعاً و عرف هذا الصحابة ولذلك سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة هي ليلة القدر ماذا أقول؟ قال : قل اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني الشاهد من هذا أنها ربطت بين معرفة ليلة القدر وبين الدعاء مما يدل على أن الصحابة كانوا يفهمون مما يسمعونه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومما يتلونه من القرآن أن ليلة القدر هي ليلة لاستجابة الدعاء لكن كما قلت لا يتصور الإنسان على أن الدعاء في ليلة القدر هو مجرد أمر ظاهري بحت تقول أعطني يعطيك، ارفع عني يرفع عنك مباشرة ،بل بعض الناس يتصور تصور أعجب وأغرب من ذلك، قصة مشهورة عندنا الناس يتداولونها قد تكون أسطورة قد تكون حقيقة قالوا أن رجلاً يوم من الأيام رأى ليلة القدر علم أن هذه ليلة القدر وكان مطلاً برأسه من النافذة فقال يختبر هذه الليلة هل هي الحقيقة ،ليلة القدر أو لا اللهم كبر رأسي اللهم كبر رأسي فكبر رأسي فصار مثل القرعة الكبيرة ،فما استطاع أن يخرجه من الطاقة قال اللهم صغر رأسي فصغر فصار مثل النبقة يعني شيء صغير جدًا قال اللهم رد رأسي مكانه فرجع رأسه مكانه وذهبت ليلة القدر عليه ،فهذا حقيقة يدل على التفكير الذي عند كثير من الناس وهو أن الإنسان ينشغل بحاجة واحدة أو يريد أن يرى صورة الدعوة التي دعاها مباشرة، كما دعاها هذا غير صحيح بل هي ليلة الدعاء ،نعم ليلة الذكر، نعم ليلة العبادة ،نعم ليلة الصدقة ،نعم ليلة المسامحة ،يا ليت من لم تقرعه القوارع وتعظه العظات في خلال ما يتكلم به هذه الأيام الوعاظ ، كانوا يتكلمون عن التسامح ويتكلمون عن المصالحة ويتكلمون عن تطهير النفوس من أغلالها ، من أحقادها ، من ضغائنها ، لو أن من لم يستطع مر عليه شعبان ، ما استطاع مر عليه رمضان ما فعل ليلة القدر لأن صلاح ذات البين من أعظم الأعمال عند الله سبحانه وتعالى.
2021-11-16 10:35:49