تصرُّف أصحاب الورش في السيارة ببيع لتأخر الاستلام
السؤال :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد. فقد اطلعت لجنة الفتوى بموقع الفقه الإسلامي على السؤال الوارد إليها برقم (8) وتاريخ 1/2/1431هـ، ونصه:|نحن أصحاب الورش والمغاسل كثيرا ما يأتينا الزبائن بالأجهزة للإصلاح، كأن تكون ثلاجة أو غسالة أو تلفازا، وفي بعض الأحيان تكون معدات ثقيلة، وسيارات، أو ثيابا وأغطية للغسل، ويضعها الزبون، وننهي العمل بها، ثم يمر عليها فترات طويلة، دون أن يأتي المالك لدفع المستحق، بالإضافة لتركها لدينا تشغل حيزا كبيرا، ويكون الأمر أكبر حينما يتكرر هذا من أكثر من زبون في وقت واحد، فهل يحل لنا بيعها واستيفاء الأجرة من ثمنها، أم ما هو التصرف الشرعي الصحيح في هذه الحال؟
الإجابة
هذه الأغراض لا تخلو من قسمين:
الأول: السيارات.
الثاني: ما سوى السيارات.
أما السيارات فإن الواجب على صاحب الورشة حفظها لصاحبها، وعدم التصرف فيها ببيع ونحوه، وذلك أن بيع السيارات يفتقر إلى الرجوع إلى المالك الأصلي لنقل الملكية، وعليه فالتصرف فيها ببيع عند التضرر غير وارد، وعليه الرجوع إلى الجهات المسؤولة لحسم المسألة بطريقة نظامية.
ويبقى النظر في إخراجها من الورشة في حال ما إذا كانت تسبب ضيقا، والصحيح أنه إذا كان قد اشترط على صاحب السيارة بعقد ونحوه أنه في حال تأخر استلامه للسيارة سيقوم بإخراجها، فله ذلك، وليس للمالك المنازعة حسب الشرط، وإن لم يشترط فيدُهُ على السيارة يد أمان، لا يجوز له التصرف فيها بإخراج ونحوه، ويضمنها في حال إخراجها أو إتلافها، وله الرجوع إلى الجهات المسؤولة للتصرف فيها بما يحفظ حقه، ويضمن حفظها.
وما سوى السيارات قسمان:
الأول: أن يكون صاحب المحل قد اشترط على الزبون أنه في حال تأخر الاستلام لمدة معينة منصوصة، أن له بيعها واستيفاء الأجرة من ثمنها، وحفظ باقيه للمالك، وأن ليس للمالك في هذه الحال المنازعة أو المطالبة بهذه الأعيان، فإن كان قد اشترط ذلك فله العمل بموجب شرطه. وقد قامت أدلة الشريعة على جواز الاشتراط في العقود، ووجوب العمل بمقتضاها، من ذلك: قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ }المائدة-1، وقوله تعالى: { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً }الإسراء-34، وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون عند شروطهم وما وافق الحق)أخرجه الحاكم وصححه، وصححه الألباني، وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط) فدل على أن الشرط الموافق لكتاب الله حقٌ، يجب العمل به، وقال عمر رضي الله عنه : (مقاطع الحقوق عند الشروط) أخرجه البيهقي وابن أبي شيبة وغيرهما.
الثاني: ألا يكون اشترط، ففي هذه الحال عليه أن ينتظر المدة التي يغلب على الظن أن المالك لن يأتي فيها، ثم يتصرف فيها، ويستوفي أجرة عمله، وأجرة المكان المقررة بالعرف أو بالشرط، ثم إن تبقَّى شيء بقي على ملك المالك، إن جاءه رده إليه، وإن لم يأتِ جاز له أن ينتفع بما بقي، ويضمن مثله، وإن حفظه احتياطاً فهو أفضل.
وهذا ما تستلزمه قاعدة الشريعة في كون الضرر يزال، ومعلوم أن بقاء هذه الأعيان في المحل، وعدم استيفاء أجرة العمل ضرر كبير على صاحب الورشة أو المغسلة، سيما إذا كانت تحتاج إلى قطع غيار ونحوه، مع احتياجه لدفع أجور العمال، وإيجار المحل، وقد يضطر لرد بعض الأعمال الأخرى لعدم وجود مكان لتخزينها فيه، ويزداد الأمر سوءا مع تكرر هذا من أكثر من زبون، فهذا كله يمثل ضررا كبيرا على صاحب المحل سوَّغ له تصرفه فيها بالبيع.
وقد نص الفقهاء في غير موضع على أنه يجوز التصرف في مال الغير بغير إذنهم في أحوال: قال المزني: “والمال والشاة لا يدفعان عن أنفسهما، فإن وجدهما في مهلكة فله أكلهما وغرمهما إذا جاء صاحبهما” مختصر المزني 1 /135. قال المرداوي:“لو ترك دابته بفلاة أو مهلكة ليأسه منها أو عجزه عن علفها ملكها آخذها على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب .الإنصاف 6 / 384.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في سياق كلامه على اللقطة: “فهي-أي: اللقطة- وديعة وأمانة عنده –أي: الملتقط- لا يمكن أن يتصرف فيها إلا إذا كان في بقائها ضرر على صاحبها، فله أن يتصرف فيها، كما لو كانت اللقطة من الأشياء التي لا تبقى، مثل الأشياء التي تفسد، فهنا يتصرف فيها بالبيع ويحفظ الثمن، أو كانت من الأشياء التي تبقى لكن تستنفق أكثر من قيمتها أضعافاً مضاعفة، كما لو وجد شاة فهنا يبيعها وإن كان لم يملكها؛ لأن بقاءها ضرر على صاحبها”
الشرح الممتع 10/376. وفي الأخير يحسن التنبيه على الآتي:
أولا: في حال بيع الجهاز أو المعدة أو الثياب ونحوه يجب على صاحب المحل حفظ ما تبقى من الثمن للمالك حتى يأتي، فإن جاءه دفعه إليه، وإلا جاز له التصرف فيه على أن يضمنه له، وإن أبقاه كان أفضل.
ثانيا: لصاحب المحل أن ينص على أنه في حال تأخر الزبون عن الاستلام، فإن صاحب المحل سيقوم بتخزينها عنده لمدة ينص عليها في العقد، وبإيجار يومي ينص عليه كذلك، لكن لا يجوز له تخزين هذه الأشياء بغية أجرة التخزين، بل متى تيسر له بيعُها فليبادر بذلك، بشرط أن تكون بثمن المثل أو قريبة منه.
ثالثا: لا يغيب على المسلم أن المعروف والإحسان لا يضيعان عند الله، فمتى تيسر حفظها في مكان لا يتضرر به صاحب الورشة أو المغسلة فهو الأولى؛ حفظا للحقوق، وطلبا للأجر عند الله تعالى.
كما أن لجنة الفتوى بالموقع توصي بالآتي
أولا: أن تقوم الجهات المختصة بإنشاء مؤسسات لحفظ وبيع أموال الغائبين والمجهولين، وأن يُعهد بجزء من هذه الأعمال إلى القطاع الخاص، أو أن تعهد إلى النقابات، بحيث تُعنى نقابة كل مهنة بحقوق صاحب المحل وعميله، تُشرف عليها جهة حقوقية؛ لأن هذا العمل كان في التاريخ الإسلامي جزءا من عمل المحكمة.
ثانيا: أنه إذا لم يمكن إنشاء مثل هذه المؤسسات فلا أقل من تمكين أصحاب هذه المحلات من تسجيل رغبتهم في بيع هذه الأعيان الثمينة لدى الشرطة أو المحكمة، ثم يحالون فورا إلى سماسرة معتمدين من قبل الجهة الرسمية، وأن يكون السماسرة متعددين منعا للاحتكار والفساد.
ثالثا: يحسن كتابة بعض الشروط في لوحة توضع في المحلات والورش يبين فيها هذا الشرط الجزائي، بحيث يقرؤه كل عميل؛ حتى يكون على بينة من أمره. والله تعالى أعلم
الموافقون على فتوى رقم (8) من أعضاء لجنة الفتوى، هم
أ.د عبد الله بن محمد الطيار
د. سعد بن تركي الخثلان
د. خالد بن عبد الله المزيني
د. محمد بن عبد اللطيف البنا
د. هاني بن عبد الله الجبير
د. أحمد المعلم
د. عقيل بن محمد المقطري
أ. د عبد الرحمن بن أحمد الجرعي
2021-09-25 12:07:41