خدمة العلوم الإسلامية لبعضها البعض
السؤال :
هل اعتقاد أصحاب كل فن من فنون العلم أنهم هم الأفضل وعلمهم هو الأوجب وأنهم هم الفرقة الناجية من علامات التحيز للعلم الذي يجيدونه أما ماذا يمكن تسميته؟
الإجابة
الأصل أن العلوم الإسلامية يخدم بعضها بعضا وأن العالم المجتهد يحتاج إلى تلك العلوم مجتمعة فالمفسر مثلا يحتاج إلى علم الحديث والفقه والأصول والنحو والبلاغة والقراءات والناسخ والمنسوخ ...... إلخ.
فهي خادمة ومكملة لبعضها البعض وهكذا كان الأمر في القرون المفضلة لم يظهر التحيز إلى أي علم من العلوم وإن كان بعض العلوم لم يكن قد برز والتحيز المذكور لم يظهر إلا بعد القرون المفضلة وادعاء أصحاب كل فن أنهم هم الفرقة الناجية هو من علامات التحيز ولا شك هذا إن وجد لكني لا أعلم إلا بعضا من العلماء كان إذا سئل عن الفرقة الناجية قال : هم أهل الحديث والمقصود بذلك في مقابلة أهل الأهواء والبدع وهذا مستنبط من قول النبي صلى الله عليه وسلم ( وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل من هي يا رسول الله قال من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) رواه أحمد(المسند) (3/145) والمقصود المثلية في منهج التلقي وطريقة الاستدلال والسلوك والأخلاق والمعتقد .... إلخ . وهذه المثلية باقية غير منقطعة فكل من سار على هذا النهج فهو من الفرقة الناجية سواء كان في هذا المذهب أو ذاك وسواء كان عالما أم عاميا فقيها أو طبيا ...إلخ.
ونصوص العلماء كلها محمولة على هذا المعنى وكلامهم صادر في مقابلة فرق الضلال كالمرجئة والرافضة والجهمية والمعتزلة والخوارج وكل من خالف في أصل من أصول أهل السنة وليس ذلك في مقابل المذاهب الفقهية قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (4/9-11) من المعلوم أن أهل الحديث يشاركون كل طائفة فيما يتحلون به من صفات الكمال ويمتازون عنهم بما ليس عندهم فإن المنازع لهم لابد أن يذكر فيما يخالفهم فيه طريقا أخرى مثل المعقول والقياس والرأي والكلام والنظر والاستدلال والمحاجة والمجادلة والمكاشفة والمخابرة والوجد والذوق ونحو ذلك و كل هذه الطرق لأهل الحديث صفوتها وخلاصتها فهم أكمل الناس عقلا وأعدلهم قياسا وأصوبهم رأيا وأسدهم كلاما وأصحهم نظرا وأهداهم استدلالا وأقومهم جدلا وأتمهم فراسة وأصدقهم إلهاما وأحدهم بصرا ومكاشفة وأصوبهم سمعا ومخاطبة وأعظمهم وأحسنهم وجدا وذوقا وهذا هو للمسلمين بالنسبة إلى سائر الأمم ولأهل السنة والحديث بالنسبة إلى سائر الملل .
فكل من استقرأ أحوال العالم وجد المسلمين أحد وأسد عقلا وأنهم ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعاف ما يناله غيرهم في قرون وأجيال وكذلك أهل السنة والحديث تجدهم كذلك متمتعين وذلك لأن اعتقاد الحق الثابت بقوى الإدراك ويصححه قال تعالى( والذين اهتدوا زادهم هدى )سورة محمد آية (17) وقال : (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أدرا عظيما ولهيناهم صراطا مستقيما ) سورة النساء آية (66) وهذا يعلم تارة بموارد النزاع بينهم وبين غيرهم فلا تجد مسألة خولفوا فيها إلا وقد تبين أن الحق معهم وتارة بإقرار مخالفيهم ورجوعهم إليهما دون رجوعهم إلى غيرهم أو بشهادتهم على مخالفيهم بالضلال والجهل وتارة بشهادة المؤمنين الذين هم شهداء الله في الأرض وتارة بأن كل طائفة تعتصم بهم فيما خالفت فيه الأخرى وتشهد بالضلال على كل من خالفها أعظم مما تشهد به عليهم فأما شهادة المؤمنين الذين هم شهداء الله في الأرض : فهذا أمر ظاهر معلوم بالحس والتواتر لكل من سمع كلام المسلمين لا تجد في الأمة عظم أحد تعظيما أعظم مما عظموا به ولا تجد غيرهم يعظم إلا بقدر ما وافقهم فيه كما لا بنقص إلا بقدر ما خالفهم .
حتى إنك تجد المخالفين لهم كلهم وقت الحقيقة يقر بذلك كما قال الإمام أحمد: ( آية ما بيننا وبينهم يوم الجنائز ) رواه الدارقطني فإن الحياة بسب اشتراك الناس في المعاش يعظم الرجل طائفته فأما وقت الموت فلا بد من الاعتراف بالحق من عموم الخلق ولهذا لم يعرف في الإسلام مثل جنازته مسح المتوكل موضع الصلاة عليه فوجد ألف ألف وستمائة ألف سوى من صلى في الخانات والبيوت .
وكذلك الشافعي وإسحق وغيرها إنما نبلوا في الإسلام باتباع أهل الحديث والسنة وكذلك البخاري وأمثاله إنما نبلوا بذلك وكذلك مالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وغيرهم إنما نبلوا في عموم الأمة وقبل قولهم لما وافقوا فيه الحديث والسنة وما تكلم فيمن تكلم فيه منهم إلا بسبب المواضع التي لم يتفق له متابعتها من الحديث والسنة إما لعدم بلاغها إياه أو لاعتقاده ضعف دلالتها أو رجحان غيرها عليها ) .
2021-12-14 17:26:01