جمع الصلوات في البلدان التي يتأخر بها وقت العشاء
السؤال :
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته أما بعد |يشرفنا أن نطلب مشورتكم في موضوع كثر الحديث عنه في الأيام الأخيرة حيث أخذ حجما غير متوقع في سويسرا و لذا وجب علينا كأول ممثل للمسلمين في البلاد توضيح الأمر |الموضوع يخص إمكانية الجمع بين صلاتي المغرب و العشاء لتأخر أذان العشاء في الليل حيث أصبح بعض أئمة المساجد يبثون خطب بتحليل هذه الإمكانية دون تحديد الأسباب الواجب توفرها لذلك مع تكذيب أي أحد يدعي عكس ذلك |مجلس الشورى الإسلامي لا يوافق هذا الرأي لأنه لا يرى أي أساس له سوى تسهيل الإسلام زيادة عن اللزوم لأن أذان صلاة العشاء و إن تأخر لا يتجاوز الساعة 11 ليلا في جميع الأحوال. لذا يجب أداء الصلوات في وقتها المحدد |نود بهذا المبعوث أن نحصل على آراء العلماء المسلمين لنأخذ موقفا ثابتا في هذا الموضوع كي لا ندع أي مجال للالتباس |في انتظار رد على تساؤلنا نترككم في رعاية الله وحفظه
الإجابة
الأصل أن تصلى كل صلاة في وقتها المحدد لها شرعاً لأن النصوص الشرعية دلت على وجوب أداء الصلوات الخمس في أوقاتها المحددة وعلى عدم جواز الجمع بين الصلاتين (الظهر والعصر والمغرب والعشاء)‘ إلا لعذر كالمرض أو السفر أو المطر ونحو ذلك مما يشق معه أداء كل صلاة في وقتها‘ قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103‘ أي :فرضا مؤقتا في أوقات معلومة.
بل قد روي في مصنف ابن أبي شيبة (2/346) عن أبي موسى الأشعري وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - أنهما قالا : (الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر) .
وبناء على هذا التقرير فقد شرع الله لنا وقت العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى منتصف الليل اختياراً‘ فإذا كان وقت العشاء يتأخر كثيرا بحيث يقترب من صلاة الفجر في بعض البلدان ويشق على المكلف الانتظار‘ ولما كانت الشريعة مبناها على التيسير ورفع الحرج فإنه يشرع لمن يعيشون في هذه البلدان جمع صلاة المغرب والعشاء جمع تقديم‘ ثم لو دخل وقت العشاء – بعد الجمع – وهو مستيقظ فلا يلزمه الإعادة‘ على أن يكون هذا الحكم حال الحرج والمشقة الشديدة‘ فإذا انتفت المشقة بتحوله إلى بلد تكون الأوقات فيها معتدلة فيلزمه أداء الصلاة في وقتها ولا يجوز له الجمع حالئذ
أما من لا يشق عليه الانتظار فيلزمه أداء صلاة العشاء حين يدخل وقتها لأن الجمع بين الصلاتين من غير عذر لا يجوز والمداومة عليه من شأن أهل البدع كالرافضة.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : عن بلاد يتأخر فيها مغيب الشفق الأحمر الذي به يدخل وقت العشاء ويشق عليهم انتظاره؟
فأجاب بقوله : ” إن كان الشفق يغيب قبل الفجر بوقت طويل يتسع لصلاة العشاء فإنه يلزمهم الانتظار حتى يغيب إلا أن يشق عليهم الانتظار‘ فحينئذ يجوز لهم جمع العشاء إلى المغرب جمع تقديم دفعا للحرج والمشقة‘ لقوله تعالى : (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ)‘ ولقوله : (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر) قالوا: ما أراد إلى ذلك؟ قال: (أراد ألا يحرج أمته) أي: لا يلحقها الحرج بترك الجمع. وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح” انتهى من “مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين” (12/ 206)
قال العلامة ابن باز رحمه الله في تعليقه على “فتح الباري” (2/24): “الصواب حمل الحديث المذكور على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلوات المذكورة لمشقة عارضة ذلك اليوم من مرض غالب أو برد شديد أو وحل ونحو ذلك ويدل على ذلك قول ابن عباس لما سئل عن علة هذا الجمع قال: (لئلا يحرج أمته) وهو جواب عظيم سديد شاف” انتهى.
قال النووي في “شرح مسلم”: ذهب جماعة من الأئمة، إلى جواز الجمع في الحضر؛ للحاجة، لمن لا يتخذه عادة. وهو قول ابن سيرين، وأشهب، من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي، عن القفال، والشاشي الكبير، من أصحاب الشافعي، وعن أبي إسحاق المروزي، وعن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر. ويؤيده، ظاهر قول ابن عباس: أراد ألا يحرج أمته. فلم يعلله بمرض، ولا غيره، انتهى. فالأصل أن تؤدى الصلوات في وقتها وأما الجمع في الحالة المسؤول عنها فقد يجوز في بعض الأحوال عند وجود مشقة وحاجة تدعو لذلك ولا يكون هذا هو الأصل المعتاد عليه والله أعلم
2021-09-18 10:57:12