ما عدد ركعات صلاة التراويح
السؤال :
يحدث خلاف كثير بين الشباب في ليالي رمضان , بسبب عدد ركعات التراويح , أو قيام الليل في رمضان ، فما هو القول الراجح في هذه المسألة ؟
الإجابة
أوصي طلبة العلم ، وأبناء المسلمين بتقوى الله عز وجل , وترك الجدل والنـزاع في بيوت الله , وأن يسألوا أهل العلم في أمورهم , ويطلبوا الدليل من بعضهم بأدب ورفق , وينظروا في مسائل الخلاف: هل سهّل فيها سلف الأمة أم شددوا ؟ ونحن خلف لسلف , ونفهم كتاب ربنا – عز وجلّ – وسنة نبينا – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بفهم السلف الصالح ، والله الهادي إلى سواء الصراط .
ومن ناحية ما ورد في ال
فقد جاء في ” الصحيحين ” من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – عن صلاة رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بالليل , فقـالت: ما زاد رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – في رمضان ولا غيره عن إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعًا لا تسأل عن حُسْنِهِنَّ وَطُوْلِهِنَّ ! ثم يصلي أربعًا لا تسأل عن حسنهن وطولهن ! ثم يصلي ثلاثًا .
فاستدل بهذا الحديث بعض أهل العلم على أنه لا يجوز الزيادة عن هذا العدد , أو عن ثلاث عشرة ركعة ؛ لورود ذلك في رواية أخرى عند مسلم , وقالوا: كون رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – واظب على هذا العدد ؛ فإن هذا يدل على أن الزيادة عليه بدعة .
وأيدوا كلامهم بما ثبت – أيضًا – في ” الموطأ ” وغيره: أن عمر بن الخطاب أمر أُبي بن كعب ، وتميمًا الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة , وكان القارئ يقرأ بالمئين , حتى إنهم كانوا يعتمدون على العُصِي من طول القيام , ولا ينصرفون إلا في فروع الفجر .
قالوا: فهذا عمر – رضي الله عنه – قد جمع المسلمين في المدينة علَى أُبيِّ بن كعب على العدد نفسه أيضًا , وأقره على ذلك من حضره من الصحابة , ولا نعلم منهم مخالفًا .
واستدلوا أيضًا بحديث جابر في إقرار النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أُبيَّ بن كعب عندما صلى بأهله في رمضان ثمان ركعات ، ثم أوتر . أخرجه أبو يعلى ، لكن سنده ضعيف ؛ بسبب عيسى بن جارية , وهو ممن لا يُحْتَجُّ به .
ومن نظر في هذه المسألة ؛ علم أن أئمة المذاهب وجمهور فقهاء الإسلام يجيزون الزيادة على هذا العدد ، ولا يعدُّون الزيادة على ذلك بدعة .
وقد تأملت هذه المسألة , فتلخص لي أن من أدلة هذا الفريق – أعني الجمهور –:
حديث ابن عمر في ” الصحيحين ”: أن رجلاً سأل النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – عن صلاة الليل , فقال: ” صلاة الليل مثنى مثنى , فـإذا خشي أحدكم الصبح ؛ فليصل واحدة توتر له ما قد صلى ” . قالوا: وهذا السائل الذي يجهل مواضع التسليم – وقد فهمنا ذلك من الجواب النبوي – فلأَنْ يجهل عدد التسليمات من باب أولى .
قالوا: ورأينا النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لم يستفصله , فلم يقل له: أأنت تعرف عدد الركعات أم لا ؟ إنما أفتاه بموضع التسليم, وأطلق له الجواب , ومعلوم أن ترك الاستفصال عند ورود السؤال ، مع قيام الاحتمال: ينزل منزلة العموم في المقال ، ومعلوم أيضًا أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز , ولما لم يستفصله رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – علمنا أنه أباح للرجل أن يصلي ما شاء الله له أن يصلي بالليل في رمضان وغيره – لأنه لم يستفصله أيضًا عن رمضان وغيره – فإذا خشي الفجر أوتر بواحدة .
قالوا: وبهذا نفهم أن مواظبة رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – على إحدى عشرة ركعة – مع طولهن وحسنهن – أن ذلك من باب الأكمل , لا من باب أنه حد معين ، وأن من تعداه ؛ فقد وقع في بدعة .
فإن قيل: يحمل هذا المجمل في حديث ابن عمر على المفصل في حديث عائشة – رضي الله عنها -.
قيل: إنما يتجه هذا إذا كان حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – لم يخرج جوابًا عن سؤال ممن يُظَنُّ أنه يجهل العدد , ولا يصح أن يقـال: لعل السائل من المقربين لرسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – الذين يعرفون عدد صلاته ، لأنه لو كان من المقربين الذين يعلمون عدد صلاته – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لعلم مواضع تسليمه , وإذا كان الأمر كذلك ؛ لكان السؤال مستقبحًا , حيث إنه تحصيل حاصل .
فإن قيل: إنما كان الرجل يسأل عن الكيفية ؛ لورود ذلك في بعض الروايات: ” كيف صلاة الليل ؟ ” .
ف أننا نفهم من جواب رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أن الرجل السائل يجهل مواضع التسليم , وجهله بهذا يُنْبِئنا بأنه يجهل عدد هذه المواضع , وهذا هو المراد .
فإن قيل: لماذا لم تقولوا: إنه أيضًا يجهل أصل كيفية الصلاة , فلا يدري ماذا يقول في قيامه , وكيف ركوعه وسجوده ونحو ذلك ؟
ف أن ذلك مستبعد من وجهين:
(1) لو كان كذلك ؛ لما كان في جواب رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – له فائدة , ولا شك أن هذا لا يقول به أحد ؛ لما يلزم من هـذا القول إلحاق العيب برسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ، والله أعلم .
وأيضًا: فقد قنع الرجل بالجواب ، وليس في الجواب بيان لكيفية الصلاة على ما ذكرتم ، وهذا كله يدل على أنه كان يسأل فقط عن مواضع التسليم .
(2) أن الرجل سأل فقال: كيف صلاة الليل ؟ مما يدل على أنه يعرف أصل الصلاة , لكن احتاج أن يعرف مواضع التسليم من صلاة الليل ، والله أعلم .
ووراء هذا كله: هل يفهم من حديث أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – أنها قصدت بذلك عدم جواز الزيادة ؟ أي أنها قصدت بذلك وضع حد لصلاة الليل فلا يُزاد عليه ؟
هذا الذي لم يفهمه أهل العلم من سلف هذه الأمة: فقد نقل الإمام البيهقي – رحمه الله – بعض أقوال أهل العلم في عدد الركعات، ثم قال: ” قال الشافعي: وليس في شيء من هذا ضيق , ولا حد يُنتهى إليه ؛ لأنه نافلة , فإن أطالوا القيام وأقلوا السجود ؛ فحسن , وهو أحب إلي , وإن أكثروا الركوع والسجود ؛ فحسن ” . انتهى من “المعرفة” (2/305) و “الفتح” (4/253) .
وقال ابن عبد البر – وقد نقل أقوال أهل العلم –: ” وكيف كان الأمر ؛ فلا خلاف بين المسلمين أن صلاة الليل ليس فيها حد محدود ؛ فـإنها نافلة ، وفعل خير ، وعمل بر ؛ فمن شاء استقـل , ومن شاء استكثر ” اهـ . من “فتح البر بالترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر” (6/143).
وقال ابن العربي في “عارضة الأحوذي” (4/19): ” وليس في قدر (ركعاتها) حد محدود … اهـ .
وقد فصّلت هذا النقل في موضعه من الرسالة الخاصة بهذه المسألة , وبينت بعض الإشكال فيه .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كما في “مجموع الفتاوى” (22/ 272): ” كما أن نفس قيام رمضان لم يوقّت النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فيه عـددًا معينًا , بل كان هو – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لا يزيد في رمضان ولا في غيره على ثلاث عشرة ركعة , لكن كان يطيل الركعات…” وذكر أقوال أهل العلم في عدد الركعات , ثم قال: ” وهذا كله سائغ ، فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه ؛ فقد أحسن…” ثم ذكر أن ذلك راجع لأحوال المصلين , وذكر بعض الأقوال , ثم قال: ” ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد مؤقت عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لا يزيد فيه ولا ينقص منه ؛ فقد أخطأ…” اهـ .
فأنت ترى أن هؤلاء الأئمة يعرفون حديث عائشة , ومع ذلك يصرحون بأن قيام رمضان ليس فيه حد معين ؛ فالظاهر أنهم فهموا من حديث عائشة – رضي الله عنها – أنها تصف القيام الأكمل , فبإحدى عشرة ركعة يحيي رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ليله , فكان يصلي ما بين أن يفرُغ من صلاة العشاء إلى أن ينصدع الفجر ، كما في ” صحيح مسلم ” .
ولعل من تأمل في حديث عائشة ؛ ظهرت له قرينة تدل على أنها ما أرادت وضع حد للقيام بهذا القول , إنما أرادت بيان الكمال في ذلك , حيث قالت: ” يصلي أربعًا لا تسأل عن حسنهن وطولهن ! , ثم يصلي أربعًا لا تسأل عن حسنهن وطولهن ! … ” فعائشة -رضي الله عنها- نقلت العدد والهيئة , والمقصود إحياء ما أمكن من الليل ، فإذا أمكن القيام بالعدد والهيئة كما جاء في حديث عائشة ؛ فهذا هو الأكمل الأفضل ، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ومن عجز عن الهيئة ، وكثَّر في العدد – مع مراعاة الخشوع وغيره – وأحيا ما أمكن من الليل ؛ فهو خير ممن صلى إحدى عشرة ركعة في نصف ساعة أو أقل ، ثم جلس بقية الليل بلا صلاة ، ولا شك أن من استغرقت صلاته أكثر الليل – وإن زاد في العدد – فهذا أشبه بروح الشريعة ومقصدها في هذا الباب ممن نظر إلى العدد ، وانتهى من صلاته في وقت قصير جدًّا ، والله أعلم.
فإن قيل: يلزمكم إذا أجزتم الزيادة في قيام الليل ؛ أن تجيزوا الزيادة في الرواتب التي قبل الفجر والظهر ونحو ذلك , وإلا تناقضتم .
ف هذا قياس مع الفارق , وإلزام ليس بلازم ؛ فالرواتب المذكورة لم يرد نص بجواز إطلاقها ؛ فبقيت على التقييد , ولم يعمل السلف فيها بزيادة ؛ بخلاف قيام الليل , ولم يصرح جماعة من السلف بأن الرواتب لا حد لها؛ بخلاف قيام الليل , ولم يُنْقَل عن التابعين والأئمة أنهم أدركوا الناس وهم يزيدون في الرواتب ؛ بخلاف قيام الليل , فقد صحّ عن عطاء أنه قال: أدركت الناس وهم يصلون ثلاثًا وعشرين ركعة بالوتر . أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في ” فضائل القرآن ” , وهذا القول يشير إلى أن عطاء رأى ذلك في صغره , مما يدل على إدراك بعض الصحابة على ذلك, وقد صحّ – على تفاصيل تراها في الرسالة المشار إليها سابقًا – عن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصحابي ابن الصحابي – رضي الله عنهما – أنه صلى للناس بعشرين ركعة .
فكل هذه الفروق تجعل الإلزام عير لازم . والله أعلم .
فإن قيل: قد صرح جماعة من أهل العلم بأن الزيادة حدث وبدعة , وهم الإمام مالك ، وابن العربي ، والصنعاني .
ف أن هذه النقل عن مالك من رجل شافعي المذهب , يقال له: الجوري ؛ فنريد أولاً تحديد من المراد بهذه النسبة ؟ ثم معرفة مكانته من جهة الاجتهاد , ومنـزلته بين للأئمة ؟
وثانيًا: هذا النقل – من رجل شافعي – مخالف لما ثبت عن مالك نفسه في كتب المالكية وغيرهم , فقد أقر مالك الصلاة بتسع وثلاثين ركعة , وقال: ” بعث إليّ الأمير , وأراد أن ينقص من قيام رمضان الذي كان يقومه الناس بالمدينة , قال ابن القاسم: وهو ( تسع ) وثلاثون ركعة بالوتر: ست وثلاثون ركعة , والوتر ثلاث , قال مالك: فنهيته أن ينقص من ذلك شيئًا , أو قلت له: هذا ما أدركت الناس عليه, وهذا الأمر القديم الذي لم تزل الناس عليه ” اهـ . من “المدونة” (1/193) .
وقد نقل ابن رشد في “بداية المجتهد” (1/487) قولين لمالك , أحدهما: ما قد سبق , والثاني: عشرون ركعة , فوافق أبا حنيفة , والشافعي , وأحمد , وداود , وهناك قول ثالث لمالك , وهو ما اختاره لنفسه: إحدى عشرة ركعة , فأنا على وجل من صحة نقل ذاك الجوري عن مالك ؛ إن صحّ أنه عنى بذلك مالكًا – رحمه الله – .
وأما ابن العربي ؛ فكلامه ظاهر في “العارضة” (4/19) بأن قيام الليل لا حد له ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك .
وأما الصنعاني ؛ فقد حكم بالبدعة على مجموع أمور , وهي: كمية وكمية صلاة التراويح , والمحافظة عليها , ولو روجع كلامه في “سبل السلام” (2/22) لظهر أن كلامه ليس بصريح في الحكم بالبدعة على مجرد الزيادة , ولهذا تفصيل انظره في موضعه من الرسالة المشار إليها .
فإن قيل: معلوم أن أقوال أهل العلم كثيرة في عدد التراويح , فمنهم من قال: هي ست وثلاثون ركعة , أو إحدى وأربعون , وبعضهم قال: سبع وأربعون , فبأي عدد نعمل ؟
ف أنه لم يثبت نص نلزم به الخلق بعدد دون آخر , ولا شك أن من استطاع أن يقوم الليل بالعدد الذي كان عليه رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – مع تحريه الهيئة الواردة في السنة ؛ فهو أفضل الهدي وأكمله , ولكن من عجز عن طول القراءة والقيام ؛ فخفف ذلك وأكثر
من الركعات , دون تفضيل لعدد على عدد , وأن ذلك راجع لحال المصلين , من فعل ذلك فقد أحسن , وبهذا صرح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في “مجموع الفتاوى” (22/272-273) , (23/120) .
وإذا كان الأمر كذلك ؛ فلا يُشنِّع على من تمسك بالهدي النبوي عددًا وهيئةً , أو حاول القرب من الهدي النبوي ؛ لأن ذلك هو الأفضل، و ” خير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ” .
كما أنه لا يشنع على من قال بالزيادة ؛ لحديث ابن عمر , ولعمل السلف , وفهمهم لحديث عائشة أنه لا يوجب التحديد بالعدد الوارد , أما أثر عمر بن الخطاب أنه جمع الناس على أبي بن كعب ، فصلى بهم عشرين ركعة ؛ فقـد اختلف الناس في حال هذا الأثر , وقد وفقني الله -عز وجلّ- بدراسته من الناحية الحديثية ؛ فاتضح لي – حسب الأسانيد وقواعد المحدثين – أنه لا يصح .
لكن لو قال قائل: هو من جنس الضعيف الذي تُلقي بالقبول , وعمل بمدلوله السلف , وصححه جماعة , وقد جمَعَ آخرون بينه وبين أثر عمر الأول الصحيح: بأن الأول كان في أول الأمر , فلما شق عليهم طول القيام ؛ خففوا من القيام ، وأكثروا من الركعات , ولا شك أن الجمع بين الدليلين فرع عن ثبوتهما عند من جمع بينهما – في الأصل – , وأَقْدَمُ من وقفت عليه ممن تكلم في الأثر ابن العربي في ” العارضة ” ، وبعده المباركفوري في ” التحفة ” ؛ كما هو مفصل في موضعه , ولو قال قائل بذلك لما كان معنا الدليل الصريح في الرد عليه ؛ إذا كان المقصود من قوله بالأثر جواز الزيادة , لا جعل العشرين حدًّا لا يُزاد ولا ينقص ؛ لا ختلاف العلماء في التحديد , ولكلام جمع من الأئمة بعدم التحديد , ولأننا إذا كنا قد أوّلنا خبر عائشة ؛ فمن باب أولى لنا أن لنا نؤوّل هذا الأثر , الذي بالجهد قد يتماسك .
هذا ما ظهر لي , فإن يكن صوابًا ؛ فهذا من فضل الله علي , وإن أخطأت ؛ فأسأل الله العفو والمثوبة , إنه جواد كريم , بر رحيم .
2021-09-12 13:03:17