0

فتاوى

الرئيسية / الدعاء على الظالم
الدعاء على الظالم
السؤال :
ما هو القدر المسموح به من الدعاء على من ظلمني؟
الإجابة
الحمد لله وبعد فإن الشرع قد أذن للمظلوم بالدعاء على من ظلمه؛ قال سبحانه: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا {النساء:148}.
قال الصحابي الجليل عبد الله بن عباس في تفسير هذه الآية: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد، إلا أن يكون مظلومًا، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه؛ وذلك قوله: “إلا من ظلم”، وإن صبر فهو خير له. أخرجه الطبري} 9/343 {. ويدل على مشروعية دعاء المظلوم على الظالم قول النبي صلى الله عليه وسلم: واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب. متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده. أخرجه الترمذي، وصححه ابن حبان
ويجب أن يكون دعاء المظلوم على الظالم بقدر المظلمة التي لحقت به؛ لأن الدعاء قصاص، كما قال الإمام أحمد، والقصاص لا يجوز الاعتداء فيه الفروع لابن مفلح} 7/267 {..
وقال زكريا الأنصاري: أما الدعاء على الظالم فجائز، لكن الأحسن الصبر والعفو؛ لقوله تعالى:{ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور}. ولذلك شرطان:
أحدهما: ألا يدعو عليه بملابسته معصية؛ لأن إرادة المعصية معصية، بل يدعو عليه بأنكاد الدنيا، كقوله: اللهم عليك بفلان، وقوله: اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك. وقوله: اللهم خذ حقي منه، اللهم افعل به ما فعل.
الثاني: أن يدعو عليه بقضية مثل قضيته، أو دونها، حتى لا يكون ظالمًا بالزيادة؛ قال تعالى: {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}، فلو قال: اللهم ارزقه سوء الخاتمة، وقصد الكفر كَفَر، وإلا فلا من تلخيص الأزهرية في أحكام الأدعية.
وقال القرافي: وحيث قلنا بجواز الدعاء على الظالم، فلا تدعو عليه بمؤلمة من أنكاد الدنيا لم تقتضيها جنايته عليك، بأن يجني عليك جناية، فتدعو عليه بأعظم منها، فتكون جانيًا عليه بالمقدار الزائد، والله تعالى يقول: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى {البقرة:194} ولا تدعو عليه بملابسة معصية من معاصي الله تعالى ولا بالكفر صريحًا أو ضمنًا. اهـ. من كتابه الفروق} 4/292{
وقال ابن تيمية: وللمظلوم الاستعانة بمخلوق، فبخالقه أولى، فله الدعاء بما آلمه بقدر ما موجبه ألم ظلمه، لا على من شتمه، أو أخذ ماله بالكفر .اهـ. كتاب الفروع لابن مفلح }7/267 {.
وذهب بعض العلماء إلى جواز الدعاء على الظالم مطلقًا، ولو بزيادة على مقدار ظلمه؛ فقد أخرج مسلم عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن أروى بنت أويس، ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئًا من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكم، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئًا بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا، طوقه إلى سبع أرضين. فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال: «اللهم، إن كانت كاذبة فاعم بصرها، واقتلها في أرضها»، قال: «فما ماتت حتى ذهب بصرها، ثم بينا هي تمشي في أرضها، إذ وقعت في حفرة فماتت».
قال القرطبي في كتابه المفهم} 4/8-538 {: وقول سعيد: ((اللهم إن كانت كاذبة فاعم بصرها، واقتلها في أرضها))؛ دليلٌ على أن سعيدًا استجاز الدُّعاء على الظالم بأكثر مما ظلم فيه، وفيه إشكال مع قوله تعالى: {وجزاء سيئةِ سيئة مثلها}، وقوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}. ووجه الإشكال: أنه كما لا يجوز أن يأخذ من الظالم، أو الغاصب زيادة على القصاص، أو على مقدار ما أخذ، كذلك لا يجوز أن يدعو عليه بزيادة على ذلك، لإمكان الإجابة، فتحصل الزيادة الممنوعة، ولو لم يستجب له؛ أليس قد أراد وتمنى شرًّا زائدًا على قدر الجناية للمسلم؟! وهو ممنوع منه، وإنما الذي يجوز أن يدعو به على الظالم أن يقول: اللهم خذ لي حقي منه، اللهم افعل به مثل ما فعل، وما أشبه ذلك {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}.
ويجاب عنه بالفرق بين الدعاء على الظالم بأكثر مما ظلم فيه، وبين أن يفعل به؛ بأن الدعاء ليس مقطوعًا بإجابته، فإذا صدر عن المظلوم بحكم حرقة مظلمته وشدَّة موجدته، لم نقل إنه صدر عنه محرَّم، وغاية ذلك أن يكون ترك الأولى؛ لأنه منتصر، ولأنه لم يصبر، ويدل على جواز ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً خَلِق الثياب، فأمره أن يلبس ثوبيه، فلما لبسهما قال: ((ما له؟ – ضرب الله عنقه – أليس هذا خيرًا))، وفي كتاب أبي داود: عن سعيد بن غزوان، عن أبيه: أنه مرَّ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك، وهو يصلي، فقال: ((قطع صلاتنا، قطع الله أثره))، قال: فما قمت عليهما إلى يومي هذا – يعني: رجليه-؛ فدلَّ هذا على أن الدَّعاء المذكور ليس محرَّمًا.
وأما قوله: إنه أراد الشرَّ للظالم وتمنَّاه، فنقول بجواز ذلك؛ ليرتاع الظالم عن شره، أو غيره ممن يريد الظلم والشر، ولو سلمنا أن ذلك لا يجوز أن يقال إنه لا يلزم من الدُّعاء بالشر أن يكون ذلك الشر متمنَّى، ولا مرادًا للدَّاعي، فإن الإنسان قد يدعو على ولده وحبيبه بالشر؛ بحكم بادرة الغضب، ولا يريد وقوعه به، ولا يتمناه اهـ. باختصار يسير.
2021-09-21 10:54:02
فتاوى : فتاوى آداب وأخلاق   -  
كود الفتوى عنوان الفتوى تصنيف الفتاوى المفتون
55588

حكم النكت المشتملة على كذب أو سخرية

/ فتاوى آداب وأخلاق

علي بن محمد بارويس
66858

إسقاط الجنين عمداً

/ فتاوى آداب وأخلاق

أكرم بن مبارك عصبان
55591

حكم الكذب على المسئولين في العمل

/ فتاوى آداب وأخلاق

علي بن محمد بارويس
فتاوى لنفس المفتى / اللجنة
كود الفتوى عنوان الفتوى تصنيف الفتاوى المفتون
61969

من علامات ليلة القدر

فتاوى العبادات / فتاوى صوم-عام

د. عقيل بن محمد زيد المقطري
63008

مدى صحة قصة عمر أنه ضحك وبكى بسبب وأد ابنته

فتاوى الصحابة وأهل البيت / فتاوى القدح والطعن في الصحابة

د. عقيل بن محمد زيد المقطري
63544

وضع نقش على اليدين

فتاوى شئون وعادات / فتاوى اللباس والزينة

د. عقيل بن محمد زيد المقطري
63547

الصلاة بملابس كثيرة العرق

فتاوى العبادات / فتاوى الصلاة

د. عقيل بن محمد زيد المقطري
64490

منع الولي المرأة من الزواج

فتاوى مجتمع وأسرة / فتاوى النكاح

علي بن محمد بارويس
62264

متى يجوز التلاوة من المصحف في التراويح

فتاوى الصلاة / فتاوى صلاة النفل

د. عقيل بن محمد زيد المقطري
فتاوى من نفس الموضوع