الاحتفال بليلة النصف من شعبان ؟
السؤال :
ما حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان ؟ وهل ورد شيء صحيح عن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – في فضل ليلة النصف من شعبان أم لا ؟
الإجابة
الاحتفال بليلة النصف من شعبان ليس له أصل في سنة رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ولا من فعل أحد من الصحابة – رضي الله عنهم – وما يفعله الناس اليوم من صلاة مخصوصة , وأذكار معروفة , وما لحق ذلك من أعمال مخالفة للشرع ؛ فكل ذلك من البدع المنكرة , وقد اشتهر عن خالد بن معدان ومكحول الاجتهاد في العبادة في تلك الليلة , ومن أهل العلم من خص ذلك بالبيت كالأوزاعي , ومنهم من أجاز الاجتهاد في تلك الليلة في المسجد كابن راهويه , والصحيح أن هذه الليلة لم يثبت عن أحد من الصحابة ، ولا من التابعين ، ولا من الأئمة إحياؤها بهذه الهيئة المخالفة , والتي عليها كثير من الناس اليوم ,
وإنما اختلفوا في الاجتهاد في العبادة فقط , فالذين رَأَوْا تخصيص هذه الليلة بالاجتهاد في العبادة ؛ اختلفوا في مكان ذلك: أهو المسجد أم البيت ؟ فأين هذا من خرافات كثير من أهل زماننا , الذين أصحبوا يهتمون بهذه الخرافات أكثر من إقامتهم الصلوات الخمس في أوقاتها ؟ فإلى الله المشتكى من غربة الدين بين أهله , واندراس العلم , واشتهار البدع , فإنا لله وانا إليه راجعون .
وأما عن فضيلة هذه الليلة: هل ثبت فيها شيء أم لا ؟ فالذي يترجح عندي: أنه لم يصح حديث في فضيلة هذه الليلة , وذلك بعد الدراسة الحديثية لأحاديث هذا الباب , ومن ذلك:
(1) حديث عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ” إن الله U ينـزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا , فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ” – أي غنم قبيلة كلب – أخرجه الترمذي وابن ماجه وغيرهما , وفيه انقطاع في موضعين , وضعف في أحد رواته .
(2) وحديث علي – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال: ” إذا كانت ليلة النصف من شعبان ؛ فقوموا ليلها , وصوموا نهارها , فإن الله ينـزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا ، فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له , ألا من مسترزق فأرزقه , ألا من مبتلًى فأعافيه , ألا كذا ألا كذا , حتى يطلع الفجر . ” أخرجه ابن ماجه وغيره , وفيه أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة أحد الوضاعين .
(3) وحديث أبي موسى -رضي الله عنه – أن رسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال: ” إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان ؛ فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشرك أو مشاحن . ” أخرجه ابن ماجه , وفيه ابن لهيعة , وقد اضطَرب في هذا الحديث ، فرواه أيضًا من حديث ابن عمرو , وحديث عوف بن مالك وغيره , والراجح فيه رواية أبي موسى ، وفيها مجهولان وضعيف ، ومن حديث معاذ ، وقد اضطرب فيه مكحول ، والراجح فيه أنه من قول كثير بن مرة .
(4) ومن حديث كردوس أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال: “من أحيا لَيْلَتَي العيد , والنصف من شعبان , لم يمت قلبه يوم تموت فيه القلوب . ” وفيه مروان بن سالم متهم بالكذب .
(5) ومن حديث أبي بكر – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ” ينـزل الله تبارك وتعالي ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا, فيغفر لكل نفس إلا إنسان في قلبه شحناء, أو مشرك بالله U ” وفيه مجهولان وانقطاع , وقد حَكَم غيرُ واحد بنكارته .
(6) أما حديث أبي هريرة ففيه مجهول .
(7) وحديث عثمان بن أبي العاص فيه نكارة مع ضعف وتدليس .
(8) وأما حديث أبي أمامة أن رسـول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال: “خمس ليال لا تُرَدُّ فيها دعوة: أول ليلة من رجب , وليلة النصف من شعبان , وليلة الجمعة , وليلتي العيد ” ففيه متروك وكذاب , وهناك أحاديث وبلاغات وآثار من هذا الصنف , لا يُفْرَحُ بها ، والله أعلم .
ومما يدل على نكارة الأحاديث التي في النـزول: تخصيص النـزول بليلة النصف من شعبان , مع أن الأحاديث الصحيحة المشهورة تُصَرِّح بـ” أن الرب U ينـزل ثلث الليل الأخير من كل ليلة , فينادي: هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من تائب فـأتوب عليه ؟ ” متفق عليه .
وفي ” صحيح مسلم “(2565) من حديث أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال: ” تُفْتَح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس , فيُغْفَر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا ، إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء , فيقال: أنظِروا هذين حتى يصطلحا , أنظروا هذين حتى يصطلحا , أنظروا هذين حتى يصطلحا ” وفي رواية عنده أيضًا ” تُعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين فيغفر الله .. ” الحديث .
وفي رواية أيضا: ” تُعْرَض أعمال الناس في كل جمعة مرتين: يوم الاثنين , ويوم الخميس , فيغفر لكل عبد مؤمن ، إلا عبدًا بينه وبين أخيه شحناء , فيقال: اتركوا هذين حتى يفيئا .” .
وقد حكم الإمام العقيلي في ” الضعفاء ” والبيهقي في “الشعب” وابن العربي في ” عارضة الأخوذي ” بأن هذه الأحاديث التي في النصف من شعبان لا يصح منها شيء , بل قال ابن العربي في ” عارضته” (3/275): ” وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يساوي سماعه ” . اهـ .
هذا , وإني لأعلم أن بعض أهل العلم قد انتهى في دراسته لبعض أحاديث الباب بالُحسْن أو الصحة , إلا أنني رجحت ما بدالي رجحانه بالدليل العلمي في هذا الشأن , وذكرت من سبقني بهذا الحكم , ودراسة الحديث تشمل السند والمتن , وإن كان في غير هذا المتن قد تُمَشَّي هذه الأسانيد . والعلم عند الله تعالى .
2021-09-12 13:03:18