النوم ونواقض الوضوء
السؤال :
س:إن كثيراً من الحجاج يرقدون وينامون بداخل المساجد ولا سيما مسجد عرفة ومسجد مزدلفة ومسجد منى وبالمسجد الحرام وبالمسجد النبوي وإذا سمعوا المؤذن قاموا يركعون ويصلون جماعة بدون وضوء ولقد نهينا البعض ممن هو بجوارنا بتلك المحلات فأفادوا قائلين أنهم قد توضؤا قبل الأذان فهل صلاتهم هذه صحيحة أم غير صحيحة فأفتونا جزيتم خيراً؟ |
الإجابة
ج:من نام نوماً عميقاً انتقض وضوؤه ووجب عليه أن يعيد الوضوء من جديد لأنَّ الأدلة قد دلت على هذا أمَّا من نام نوماً خفيفاً مثل أن يخفق رأسه خفقة واحدة أو خفقتين متواليتين أو خفقات أكثر من الخفقتين ولكنها متفرقة فإن هذه الخفقة أو هاتين الخفقتين المتواليتين أو الخفقات المتفرقات لا تنقض الوضوء عند علماء المذهب الهادوي أمَّا ما عدا ذلك فالنوم ناقض للوضوء وكذلك من نام وهو جالس على مقعدته ولم يضطجع فإنَّ نومه على هذه الصفة لا ينقض الوضوء عند علماء المذهب الشافعي أمَّا من كان مضطجعاً حال نومه فإنَّ نومه ينقض الوضوء عندهم وهناك أقوال أخرى وتفاصيل وتفريعات ذكرها علماء الفقه وشرَّاح الحديث رحمهم الله جميعاً . وقد ذكر جميع الأقوال حول هذه المسألة الشوكاني في نيل الأوطار ورجح فيه وفي غيره من مؤلفاته أنَّ النوم الذي لا ينقض الوضوء هو نوم من كان جالساً على مقعدته، وأن النوم الذي ينقض الوضوء هو نوم المضطجع أمَّا غيره فلا ينقض الوضوء عنده وساق الأدلة على ترجيح ما ذهب إليه لأنَّ من اطلع على كتب السنة النبوية لا بُدَّ وأن يعرف أنها قد وردت عدة أحاديث دالة على أنَّ النوم من نواقض الوضوء كما ورد ما يدل على أن الصحابة (كانوا ينامون ولا يتوضؤن)( ) .
فالإمام الشافعي جمع بين الأحاديث المختلفة بأن عمل بموجب الأحاديث الواردة في هذا الباب الدالة على نقض الوضوء بالنوم مثل حديث (من نام فليتوضأ) ( ) فيمن نام وهو مضطجع وما ورد مخالفاً لذلك مما يدل على أن النوم لا ينقض الوضوء فيمن نام وهو غير مضطجع جمعاً بين الدليلين لأن الجمع بين الدليلين عند التعارض أولى من الترجيح لأحدهما على الآخر ويؤيد هذا الجمع ما ورد من الأحاديث الدالة على أن النوم الذي ينقض الوضوء هو نوم المضطجع فيحمل المطلق على المقيد لأن حمل المطلق على المقيد واجب كما هو مقرر في علم الأصول وما يقال في الأحاديث المقيدة للنوم بكونه حال الاضطجاع من كونها ضعيفة غير صالحة للاحتجاج قد أجاب عنه الشوكاني في نيل الأوطار وفي الدراري المضيئة وصديق حسن خان في الروضة الندية بأن هذا المقال صحيح ولكن هذا الضعف ينجبر بكثرة طرقها حيث والقاعدة في علم أصول الحديث أن الأحاديث الضعيفة إذا رويت من عدة طرق فإن بعضها يقوي الآخر ويصير الحديث الضعيف من الأحاديث الحسنة لشواهدها لا لذاتها .
أما علماء المذهب الهادوي فقد جمعوا بين هذه الأحاديث المختلفة بجمع آخر وذلك لحملهم الأحاديث الواردة في الباب الدالة على أن النوم ينقض الوضوء على النوم المستمر وما ورد مما يدل على أن النوم لا ينقض الوضوء محمول على ما كان نوماً متقطعاً غير مستمر وحددوه بخفقة الرأس مرة واحدة أو مرتين فقط متواليتين أو أكثر من مرتين بشرط أن تكون متفرقات لا متواليات فإذا كانت متواليات فقد صار النائم في حكم النائم النوم المستمر فيكون نوم هذا ناقضاً وعليه الوضوء من جديد جمعاً بين الدليلين وعلى هذا الأساس فالذين ينومون في مسجد الخيف أو في المسجد الحرام أو في غيرها من المساجد ثم يقومون لأداء الصلاة مباشرة من غير أن يجددوا الوضوء بعد أن يستيقظوا من النوم قد أخلوا بما يجب عليهم شرعاً من الوضوء عقيب النوم إذا كانوا يريدون أن يؤدوا الصلاة بعد أن يستيقضوا لأن الواجب على كل من يريد أن يصلي أن يتوضأ أولاً ثمَّ يصلي أي صلاة كانت وإذا لم يتوضأ فصلاته غير صحيحة شرعاً لأنَّ الوضوء شرط من شروط صحة الصلاة وإذا عدم الشرط عدم المشروط . اللهم إلا إذا كان هؤلاء النائمون لم يضطجعوا حال نومهم وإنما ناموا في حالة كونهم قاعدين على مقعدتهم وكانوا ملتزمين لمذهب الإمام الشافعي لا يجب عليهم أن يجددوا الوضوء لأنَّ من كان قد نام على هذه الصفة فنومه غير ناقض للوضوء إذا كان النائم على هذه الصفة لم ينم إلا وهو متطهر كما جاء في هذا السؤال .
وهكذا لا يجب عليهم أن يجددوا الوضوء إذا كانوا قد ناموا على وضوء ولم يكن نومهم نوماً مستمراً بل كان عبارة عن خفقة أو خفقتين متواليتين أو عدة خفقات متفرقات وكانوا من الملتزمين للمذهب الهادوي فإن نومهم على هذه الصفة لا ينقض الوضوء أما إذا كان النوم مستمراً فإن وضوءهم قد بطل بالنوم المستمر .
والخلاصة أن الشافعي يجعل النوم من نواقض الوضوء إلا نوم من كان نائماً على مقعدته فنومه لا ينقض الوضوء مهما كان قد نام وهو متوضئ .
والهادوية يجعلون النوم من نواقض الوضوء إلا إذا كان قد نام نوماً غير طويل ولا عميق ولا مستمر بل كان عبارة عن خفقة واحدة أو خفقتين متواليتين أو عدة خفقات متفرقات فمن نام على وضوء نوماً زاد على ذلك فعليه أن يجدد الوضوء وإلا فصلاته باطلة والكلام على هذا الموضوع طويل قد تكلم عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري والحافظ الشوكاني في نيل الأوطار وغيرهما .
وهذه الإحالة هي لمن كان يريد البحث عن الأدلة الشرعية لكل قول من أقوال العلماء الذين خاضوا في هذه المسألة، ورجحوا ما رأوه راجحاً بعد البحث وبذل الوسع والطاقة في سبيل معرفة الصواب في هذه المسألة التي اختلفت فيها أفكار العلماء قديماً وحديثاً .
وكلهم من رسول الله ملتمس غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم
أمَّا من كان مقلداً لعلماء المذهب الهادوي فيكفيه القول بأنهم يحكمون على من نام وهو على طهارة بأن وضوءه قد انتقض إلاَّ إذا كان مجرد خفقة الرأس مرة أو مرتين متواليتين أو عدة مرات متفرقات .
وأمَّا من كان مقلداً للشافعي فيكفي فتواه بأن النوم ناقض لوضوء من نام وهو على طهارة إلا إذا كان قد نام على مقعدته فنومه في هذه الحالة غير ناقض للوضوء .
أما رأيي الشخصي فأنا أرجح ما ذهب إليه الشافعي ولكل ناظر نظره ولكل عالم رأيه والدين يسر والشريعة سمحة .
2021-08-14 13:14:43