بداية الفصام المبتدع
السؤال :
شيخنا الفاضل: هل ممكن تحديد عصر زماني بدأ فيه الفصام المبتدع كما وسمتموه بين المحدثين والفقهاء؟
الإجابة
هذه مسألة تحتاج إلى استقراء تام لكني أستطيع أن أجزم أنه كان بعد القرون المفضلة قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص118:
كان الفقهاء في قديم الزمان هم أهل القرآن والحديث فما زال الأمر يتنافص حتى قال المتأخرون : يكفينا أن نعرف آيات الأحكام من القرآن وأن نعتمد على الكتب المشهورة في الحديث كسنن أبي داوود ونحوها ثم استهانوا بهذا الأمر أيضا وصار أحدهم يحتج بآية لا يعرف معناها وبحديث لا يدري أصحيح هو أم لا وربما اعتم على قياس يعارضه حديث صحيح ولا يعلم لقلة التفاته إلى معرفة النقل إنما الفقه استخراج من الكتاب والسنة فكيف يستخرج من شيء لا يعرفه ومن القبيح تعليق حكم على حديث لا يدري أصحيح هو أم لا ..).
وقال الإمام الخطابي في مقدمة معالم السنن بعد أن ذكر أن أهل العلم في زمانه انقسموا إلى فريقين أهل حديث وأثر وأهل فقه ونظر وذكر أن كل طائفة في الحقيقة مفتقرة للأخرى ثم ذكر أنه قد حصل بينهم التهاجر .. إلخ قال :
( فأما هذه الطبقة الذين هم أهل الأثر والحديث فإن الأكثرين منهم إنما وكدوهم الروايات وجمع الطرق وطلب الغريب والشاذ من الحديث الذي أكثره موضوع أو مقلوب لا يراعون المتون ولا يفقهون المعاني ولا يستنبطون سرها ولا يستخرجون ركازها وفقهها وربما عابوا الفقهاء وتناولوهم بالطعن وادعوا عليهم مخالفة السنن ولا يعلمون أنهم عن مبلغ ما أوتوه من العلم قاصرون وبسوء من القول فيهم آثمون ).
(وأما الطبقة الأخرى وهم أهل الفقه والنظر فإن أكثرهم لا يعرجون من الحديث إلا على أقله ولا يكادون يميزون صحيحه من سقيمه ولا يعرفون جيده من رديئة ولا يعبأون بما بلغهم منه أن يحتجوا به على خصومهم إ ذا مذاهبهم التي ينتحلونها ووافق آرائهم التي يعتقدونها ).
وقال وكيع بن الجراح : ( يافتيان تفهموا فقه الحديث فإنكم إن تفهمتهم فقه الحديث لم يقهركم أهل الرأي ).
وقال أيضا : ( لو أنكم تفقهتم الحديث وتعلمتموه ما غلبكم أصحاب الرأي ما قال أبو حنيفة في شيء يحتاج إليه إلا ونحن نروي فيه بابا )
قلت : وأبو حنيفة رحمه الله توفي عام 150 ه فهذا والله أعلم هو أقدم تاريخ وقفت عليه في تاريخ هذا الفصام النكد بين الفريقين والله أعلم .
ولقد كان الخطيب البغدادي رحمه الله من أبرز الأئمة الذين حملوا لواء التوفيق بين الفريقين وقدموا النصيحة لهما بأن يجل بعضهما بعضا ويستفيد كل منهما مما عند الآخر ويجالسه وبين للفريقين أن كلا منهما له الفضل الكبير وأن عليهما أن يتعاونا على حمل قول النبي صلى الله عليه وسلم وفهمه فكل ميسر لما خلق له ) .
2021-12-14 17:34:41