تفسير قول الله تعالى: ولقد همت به وهم بها
السؤال :
ما تفسير قوله تعالى في سورة يوسف “وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَلكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ”؟
الإجابة
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن هذه الآية فأجاب رحمه الله تعالى: البرهان ما جعله الله في قلبه من إنكار هذا الفعل وكثيراً ما يهم الإنسان بالشيء فإذا لم يبق إلا التنفيذ فتح الله له نورا وتراجع وهذا هو الذي حصل ليوسف عليه الصلاة والسلام أن إيمانه الذي في قلبه وهو البرهان من الله عز وجل منعه أن ينفذ ما أمرت به سيدته وهذا غاية ما يكون من العفة.
وقال الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية في كتابه أضواء البيان: (قوله تعالى: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} الآية، ظاهر هذه الآية الكريمة قد يفهم منه أن يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام هم بأن يفعل مع تلك المرأة مثل ما همت هي به منه؛ ولكن القرآن العظيم بين براءته عليه الصلاة والسلام من الوقوع فيما لا ينبغي حيث بين شهادة كل من له تعلق بالمسألة ببراءته، وشهادة الله له بذلك واعتراف إبليس به.
أما الذين لهم تعلق بتلك الواقعة فهم: يوسف، والمرأة، وزوجها، والنسوة، والشهود.
أما حزم يوسف بأنه بريء من تلك المعصية فذكره تعالى في قوله: {هي راودتني عن نفسي} الآية [12/26].وقوله: {قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه} [12/33].
وأما اعتراف المرأة بذلك ففي قولها للنسوة: {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم} [12/32]، وقولها: {الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين} [12/51].
وأما اعتراف زوج المرأة، ففي قوله: {قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين} [12/28، 29]
وأما اعتراف الشهود بذلك ففي قوله: {وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين} الآية [12/26]. .. إلى أن قال:
وأما شهادة الله جل وعلا ببراءته، ففي قوله: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} [12/24]
وأما إقرار إبليس بطهارة يوسف ونزاهته، ففي قوله تعالى: {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} [38/82، 83]، فأقر بأنه لا يمكنه إغواء المخلصين، ولا شك أن يوسف من المخلصين، كما صرح تعالى به في قوله: {إنه من عبادنا المخلصين}، فظهرت دلالة القرآن من جهات متعددة على براءته مما لا ينبغي.
ثم ذكر رحمه الله تعالى أقوال أهل العلم في المراد بالهم في الآية إلى أن قال: والجواب الثاني: وهو اختيار أبي حيان: أن يوسف لم يقع منه هم أصلا، بل هو منفي عنه لوجود البرهان.
قال مقيده عفا الله عنه: هذا الوجه الذي اختاره أبو حيان وغيره هو أجرى الأقوال على قواعد اللغة العربية؛ لأن الغالب في القرآن وفي كلام العرب: أن الجواب المحذوف يذكر قبله ما يدل عليه، كقوله: {فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} [10/84]، أي: إن كنتم مسلمين فتوكلوا عليه، فالأول: دليل الجواب المحذوف لا نفس الجواب، لأن جواب الشروط وجواب {لولا} لا يتقدم، ولكن يكون المذكور قبله دليلا عليه كالآية المذكورة. وكقوله: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} [27/64]، أي: إن كنتم صادقين فهاتوا برهانكم.
وعلى هذا القول: فمعنى الآية، {وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} [12/24]، أي: لولا أن رآه هم بها. فما قبل {لولا} هو دليل الجواب المحذوف، كما هو الغالب في القرآن واللغة.
ونظير ذلك قوله تعالى: {إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها} [28/10]، فما قبل {لولا} دليل الجواب. أي لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به.
وأعلم أن جماعة من علماء العربية أجازوا تقديم جواب {لولا} [12/24] وتقديم الجواب في سائر الشروط: وعلى هذا القول يكون جواب {لولا} في قوله: {لولا أن رأى برهان ربه} [12/24]، هو ما قبله من قوله: {وهم بها} [12/24]، وإلى جواز التقديم المذكور ذهب الكوفيون، ومن أعلام البصريين: أبو العباس المبرد، وأبو زيد الأنصاري.)
أضواء البيان [2 /205] وما بعدها
2021-09-26 06:17:45