جمعة القضاء
السؤال :
س:ما وجه تسمية آخر جمعة من رمضان باسم جمعة القضاء ؟ |
الإجابة
ج:كثيراً ما سئلت عن وجه تسمية آخر جمعة من رمضان باسم جمعة القضاء وعما قيل عن هذا الاسم أنه مشتق من القضاء ضد الأداء لأن في هذا اليوم تقضى الصلوات الفائتة أو المؤجلة في العام الماضي لأجل ذلك سميت هذه الجمعة جمعة القضاء بهذا الاسم الغريب كما سئلت أيضاً عن قضاء الصلوات في هذا اليوم هل له أصل في كتب الفقه أو في كتب السنة النبوية المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ؟
والحقيقة أنه لا وجه لتسمية الناس لهذا اليوم بهذا الاسم الغريب ولا يجوز لأحد أن يسمى هذا اليوم باسم جمعة القضاء لأن هذا الاسم لم يدل عليه دليل من اللغة ولا من الشرع ولا سيما أنه قد يوهم الجاهل أنه من الممكن أن يترك المسلم الصلاة أو إحدى الصلوات أو كلها على أساس أن يقضيها في هذا اليوم الذي قد سموه بيوم جمعة القضاء. وهكذا لا يجوز لأحد أن يعتقد بأن هذا الاسم اسم شرعي إسلامي ، مثل يوم الأضحى أو يوم الفطر أو يوم عرفة أو غير هذه الأيام التي جاءت أسماؤها في السنّة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام ، لأنه لا دليل على هذه التسمية لا من الكتاب العزيز ، ولا من السنة النبوية ولا من إجماع المسلمين، ولا يجوز أيضاً لأحد أن يترك الصلاة أيَّ صلاة على أساس أنه سيقضيها في هذا اليوم ومن فعل ذلك فهو عاص لله وعاص للرسول ﷺ بل مرتكب لأعظم كبيرة بتركه أعظم شعيرة جاء الإسلام بالأمر بها والحث عليها في عدة آيات قطعية وجملة أخبار ( ) نبوية متواترة إلى حد أن النبي ﷺ جعلها الفارقة بين المسلم والكافر وصرح في الحديث بأن من تركها فقد كفر اللهم إلا من كان نائماً أوناسياً فوقتها حين يذكرها كما جاء في الحديث ( ) الصحيح عن الرسول الأعظم ﷺ . وذلك لأن وجوب الصلوات الخمس من الواجبات القطعية المعلومة من الدين ضرورة والتي دل على قطعية وجوبها الكتاب والسنة والإجماع وبهذا صرح العلماء بأن من تركها جاحداً لمشروعيتها فهو كافر مرتد ومن تركها تساهلاً غير منكر لمشروعيتها فهو فاسق مرتكب لأعظم جريمة. وما يرويه بعض الكذابين من أن النبي ﷺ قد جوّز قضاء الصلاة في هذا اليوم فهو من الأخبار الشنيعة المفتراة على رسول الله ﷺ التي يجب على كل عالم أن يحذر الناس من روايتها أو من الإعتقاد بأنها من كلام سيد الأنام عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام لأنها معارضة لجميع ما جاء في الكتاب العزيز أو السنة النبوية المطهرة من الأوامر الكثيرة المصرحة بوجوب إقامة الصلاة والحث عليها في عدة آيات قرآنية وفي جملة أحاديث متواترة تضمنتها كتب السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام . كما أنها معارضة لما أجمع عليه المسلمون من يوم وفاة الرسول ﷺ إلى يومنا هذا ... فلعنة الله على الكذابين على الرسول الأعظم ﷺ ورحمة الله على امرئ ذب عن شريعة سيد الأولين والآخرين ورضوان الله لمن بيَّن للمسلمين الحق من الباطل والصدق من الكذب في كل ما نسب إلى خاتم المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . وقد سئل العلامة ابن حجر الهيتمي المكي الشافعي المتوفي سنة 973هـ عن هذه الصلاة التي كان بعض المصلين يصليها في آخر جمعة من رمضان ويسميها صلاة البراءة: هل تصح جماعة فأجاب بقوله في الفتوى الكبرى وأما صلاة البراءة فإن أريد بها ما ينقل عن كثير من أهل اليمن من صلاة المكتوبات الخمس بعد آخر صلاة جمعة من رمضان معتقداً أنها تكفر ما وقع في جملة السنة من تهاون في صلاتها فهي محرمة شديدة التحريم يجب منعهم منها لأنه يحرم إعادة الصلاة بعد خروج وقتها ولو في جماعة وكذا في وقتها بلا جماعة ولا سبب يقتضي ذلك ومنها أن ذلك صار سبباً لتهاون العامة في أداء الفرائض لاعتقادهم أن صلاتهم على تلك الكيفية يكفي منهم ذلك .ونص في شرحه على منهاج الإمام النووي رحمه الله المسمى " تحفة المحتاج شرح كتاب المنهاج " على أن مسألة قضاء خمس صلوات في آخر جمعة من رمضان بدعة لا أصل لها في الدين. وقال العلامة علي بن سلطان القاري المتوفى سنة 1014هـ في كتابه الذي ألَّفه في الأحاديث الموضوعة والذي سمي بالموضوعات الكبرى وفي كتابه الذي سمي بالموضوعات الصغرى ، ما نصه " من قضى صلاة الفرائض في آخر جمعة من شهر رمضان كان ذلك جابراً لكل صلاة في عمره إلى سبعين سنة " باطل قطعاً لأنه مناقض للإجماع من العلماء على أن شيئاً من العبادات لا يقوم مقام فائتة سنوات ثم لا عبرة بنقل النهاية ولا ببقية شراح الهداية فإنهم ليسوا من المحدثين ولهذا أسندوا الحديث إلى أحد المخرجين .
وقد نقل هذا الكلام بلفظه ولفظ الحديث عن المُلا بن علي القاري العلامة إسماعيل العجلوني المتوفي سنة 1163هـ في حرف الميم من كتابه المشهور ( كشف الخفاء ومزيل الإلباس فيما يجري من حديث الناس ) وأقرّه على ذلك كما نراه في الصفحة الثالثة بعد المائتين من الجزء الثاني من هذا الكتاب المفيد ( ) وقد ذكر هذا الحديث المفترى على رسول الله ﷺ بنفس اللفظ المصرح بأن من قضى صلاة الفرائض في آخر جمعة من رمضان كان ذلك جابراً لكل صلاة فائتة في عمره إلى سبعين سنة . وذكر الحديث الدكتور مصطفى السباعي في كتابه القيم المسمى " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي وذلك عند ذكره للأحاديث التي وضعت على النبي ﷺ ودست في كتب السنة النبوية كذباً وافتراء وعلق عليه بقوله (فإن هذا مخالف لما أجمع عليه من أن الفائتة لا يقوم مقامها شيء من العبادات) وبمثل هذا اللفظ لهذا الحديث المفترى ما ذكره العلامة المعاصر محمد ناصر الدين الألباني في هامش مقدمة كتاب "صفة صلاة النبي من التكبير إلى التسليم، وحكم عليه بالوضع والبطلان ولفظه (ومن الأحاديث الموضوعة بل الباطلة التي وردت في بعض كتب الأجلة حديث من قضى صلوات من الفرائض في آخر جمعة من رمضان كان ذلك جابراً لكل صلاة فائتة في عمره إلى سبعين سنة ) عما نقله العلامة القارئ في موضوعاته الصغرى والكبرى الحكم على هذا الحديث بالبطلان وسرد نفس الكلام الذي نقلته عن العلامة القارئ والذي كان قد نقله وأقره العجلوني في كشف الخفاء كما نقل عن الشوكاني الكلام الذي سيأتي في مقالي هذا من أوله إلى آخره وأخيراً نقله عن العلامة اللكنوي مؤلف الأثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة أنه قال عن هذا الحديث المختلق والمدسوس على الشريعة الإسلامية الغراء ما نصه ( وقد ألفت لبطلان هذا الحديث الذي يوجد في كتب الأوراد والوظائف بألفاظ مختلفة مختصره ومطوله، رسالة مسماة (درع الإخوان عن محدثات آخر جمعة في رمضان ) وأدرجت فيها فوائد تنشط بها الأذهان وتصغي لها الآذان فلتطالع فإنها نفيسة في بابها رفيعة الشأن . وهكذا قد ذكر هذا الحديث المفترى على رسول الله ﷺ والدخيل على سنة خاتم الانبياء والمرسلين العلامة الحوت البيروني المتوفي سنة 1276هـ وذلك في كتابه المختصر في الأحاديث المشهورة على ألسنة الناس المسمى (أسنى المطالب في الأحاديث على المطالب ) بنفس اللفظ المذكور في المؤلفات السابقة بلا زيادة ولا نقصان وعلق عليه بقوله (لا أصل له).
أما شيخ الإسلام الشوكاني المتوفى سنة 1250هـ فقد ذكر هذا الحديث بلفظ (من صلى في آخر جمعة من رمضان الخمس الصلوات المفروضة في اليوم والليلة قضت عنه ما أخل به من صلاة سنة وقال عنه هذا موضوع لا إشكال فيه ولم أجده في شيء من الكتب التي جمع مصنفوها فيها الموضوعات ولكنه اشتهر عند جماعة من المتفقهة بمدينة صنعاء في عصرنا هذا ( أي في النصف الأول من القرن الثالث عشر من الهجرة ) وصار كثير منهم يقولون ذلك ولا أدري من وضعه لهم فقبح الله الكذابين هكذا قال الشوكاني في كتابه الصلاة من مؤلفه في الموضوعات الذي سماه (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) . وقال الشيخ محمد الشقيري من علماء السنة النبوية ومن تلاميذه السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار رحمه الله في كتابه السنة والمبتدعات من الأذكار والصلوات) ما نصه (فصل في بدعه صلاة المكتوبات قال في شرح المواهب ، وأقبح من ذلك ما اعتيد في بعض البلاد من صلاة الخمس في هذه الجمعة عقب صلاتها زاعمين أنها تكفر صلوات العام أو العمر المتروكة وذلك حرام لوجوه لا تخفى .
إذا عرفت هذا علمت أن هذا الحديث من جملة الأحاديث المفتراه على رسول الله ﷺ وأن الذي اختلقه وافتراه على الشريعة الإسلامية لم يكن من الكذابين الذين ظهروا في عصر التدوين لكتب الفقه الإسلامي على جميع المذاهب الإسلامية ولا في عصر تدوين السنة النبوية ولا بعد عصر تدوين الكتب الفقهية بقرن أو بقرنين بدليل عدم ذكره في كتب أهل السنة التي وضعت لبيان الأحاديث الموضوعة، على الرسول الأعظم ﷺ في القرن السادس من الهجرة النبوية وفيما بعده من القرون التالية إلى القرن التاسع لا في مؤلفات ابن الجوزي ولا الجوزجاني ولا الصاغاني ولا العسقلاني ولا السيوطي ولا غيرهم ممن عاش في القرن السادس أو السابع أو التاسع أبداً وإنما ذكر في شرح الهداية وشرح ابن حجر المكي للمنهاج وفي موضوعات القاري وغيره من المتأخرين الذين عاشوا في العاشر وما بعده إلى يومنا هذا. كما علمت من جميع ما نقلته عن الحفاظ حول هذا الخبر الموضوع أنه قد ورد بلفظين الأول ما ذكره شيخ الإسلام الشوكاني في الفوائد المجموعة واللفظ الثاني ما ذكره الشيخ على القارئ وغيره من الحفاظ المنقول كلامهم سابقاً على اختلاف نصه مخالف للأدلة القطعية من الكتاب والسنة والإجماع وأنه من الأخبار التي تتنافى معها أصول الإسلام ، كما أنه مما تشمئز له النفوس المؤمنة وتمجه الأسماع ولا سيما وقد نص حفاظ السنة النبوية المتأخرون الذين وقفوا عليه بأنه من الأخبار الموضوعة والمفتراة على رسول الله ﷺ والمدسوسة في بعض كتب الفقه التي لم يكن مؤلفوها من رجال الحديث ولا من المختصين بدراسة السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام كما دلت عليه التصريحات السابقة التي صرح بها ابن حجر المكي والعجلوني السوري وشارح المواهب والملا على القاري والشوكاني والبيروتي واللكنوي والشقيري والألباني والسباعي رضي الله عنهم جميعاً وجزاهم عن الذب عن الشريعة الإسلامية الغراء وعن السنة المحمدية المطهرة أفضل الجزاء وكتب ثوابهم وضاعف حسناتهم آمين وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم .
2021-08-14 13:14:36
فتاوى : فتاوى صلاة الجمعة   -  
كود الفتوى عنوان الفتوى تصنيف الفتاوى المفتون
64410

الحجز فى الصف الاوّل فى يوم الجمعة

فتاوى الصلاة / فتاوى صلاة الجمعة

علي بن محمد بارويس
61876

صلاة الجمعة في مقر العمل

فتاوى الصلاة / فتاوى صلاة الجمعة

د. عقيل بن محمد زيد المقطري
55582

معنى قوله (من بكر وابتكر وغسل واغتسل)

فتاوى الصلاة / فتاوى صلاة الجمعة

علي بن محمد بارويس
فتاوى لنفس المفتى / اللجنة
كود الفتوى عنوان الفتوى تصنيف الفتاوى المفتون
61389

جماع الرجل زوجته حال السفر

فتاوى الصوم / فتاوى مبطلات الصوم

القاضي محمد بن إسماعيل العمراني
54326

ترك الإحرام من الميقات

فتاوى الحج والعمرة / فتاوى الإحرام

القاضي محمد بن إسماعيل العمراني
54621

صلاة الظهر خلف من يصلي صلاة العصر

فتاوى الصلاة / فتاوى صلاة الجماعة

القاضي محمد بن إسماعيل العمراني
61338

الأولى البدء بصيام القضاء قبل صيام الست من شوال

فتاوى الصوم / فتاوى قضاء الصوم والفدية الواجبة وموجب الكفارة

القاضي محمد بن إسماعيل العمراني
65342

الوقف في أول رجمعة من كل رجب

فتاوى المعاملات المالية / فتاوى الوقف

علي بن محمد بارويس
64521

مرضت وأفطرت وتسطيع القضاء

فتاوى العبادات / فتاوى صوم-عام

علي بن محمد بارويس
فتاوى من نفس الموضوع