حضور حفل الجامعة
السؤال :
تساؤل حول حضور حفل الجامعة
الإجابة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد:
فيا أيها الولد البار والابن المحب / السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : تلقيت رسالتكم الكريمة التي نقلتم فيها استنكار عموم الشباب لحضوري حفل التخرج الذي حصل في قاعة جامعة حضرموت .
و قبل ردي على ذلك الاستنكار فإنني أشكرك شكراً كثيراً على سلوكك طريق النصح المباشر عبر الكتابة ، بدلاً من تناول ذلك الخطأ في المجالس بصورة غيبة تضر و لا تنفع ، فجزاك الله خيراً على ذلك ، وجزاك الله خيراً على حسن ظنك بي ، ووصفي بأوصاف هي في الحقيقة أكبر مما أستحق ، و أما بخصوص ما ذكر : فاعلم أن مبدأ التواصل مع الحكام أو الانقطاع عنهم إنما هو مما تحكمه قاعدة جلب المصالح و درء المفاسد ، وليس هو مبدأ مقطوع به لا اجتهاد فيه ، وعلى ذلك اختلفت مواقف العلماء فمنهم من آثر البعد عن مجالسة السلاطين و مخالطتهم ، و منهم من قرُب منهم و خالطهم لما يرى من مصلحة في ذلك ، مع اتفاق الجميع أنه لا يجوز تصديقهم في كذبهم ولا إعانتهم على ظلمهم ولا إذلال النفس و العلم لهم . فإذا عرف ذلك فإنَّ وضْعَنا الحالي من وجهة نظري يستدعي تحطيم الوهم الكبير الذي يعيشه الحكام : أن العلماء أعداء لهم ، و للبلاد و الشعب ، وللأمن والسلامة ، و أنهم دائماً يعيشون حالة تخطيط وترصد لمواجهتهم ؛ مما يبنى عليه حالة من الشكوك و سوء الظن ، يتبعها وضع العراقيل أمامهم و أمام دعوتهم ، و العمل على سد كل متنفس للدعوة كما هو حاصل في معظم البلاد الإسلامية ، و في المقابل تقريب علماء السوء الذين يعينونهم على الظلم ، ويشجعونهم على الانحراف ، ويوهمونهم أن ما يفعلونه عين ما جاء به محمد و من هنا آثرت التواصل معهم بشكل يحقق ما تيسر من المصالح مع تجنب أكبر قدر من مفاسد المخالطة ،ثم مفاسد البعد عنهم ، و بحيث لا يخلو ذلك التواصل من دلالة على خير أو تحذير من شر أو بذل نصيحة قدر الاستطاعة ، هذه طريقتي و هذا مسوغي بشكل عام ؛ لما ترونه من قرب وتواصل مع المسؤولين ، وقد أثمرت هذه الطريقة و الحمد لله ، و دفع الله بها شراً كثيرا ُ ليس عني و عن جمعية الحكمة فقط ، بل و عن كثير ممن هم متباعدون عنهم ، أسأل الله الإخلاص و القبول . وأنا في طريقتي هذه لست متبعاً رأيي فقط بل شاورت الكثير من أهل العلم و الفضل الذين أثق بهم و شجعوني على ذلك .
و أما بخصوص ما حصل في قاعة الجامعة فهناك ثلاث نقاط :
الأولى : القيام للنشيد الوطني : و هذا لم يحصل مني بل إن الناس قاموا ، وظللت جالساً و حدي من بينهم .
و الثانية : تخرج دفعة كلية الأحقاف و الثناء عليها بالوسطية و الاعتدال ، وهذه لم أكن أعلم بها إلا بعد أن حضرت ، هذا أولاً ، و ثانياً إن حضوري حتى و لو علمت ما به بأس فإن الثناء على جامعة الأحقاف و نسبتها إلى الوسطية شائع و منتشر يروِّجه إعلام الجامعة و الصوفية ، كما يروجه إعلام الحكومة ، ونسمعه ونقرأه كل وقت ، فماذا يضير أن يقال ذلك في مجلس و أنا حاضر فيه؟ لا أظن أن ذلك مسوّغ للوم و العتاب و الثالثة : هي غير لائقة قطعاً ، و أنا معكم أنها منكر و أنها تستدعي مغادرة المكان إذا لم يتم الإنكار ، غير أنه لم يعد بالإمكان الخروج ، و قد أغلقت الأبواب ، وشددت الحراسة فلم يعد في الإمكان أكثر مما كان ، وهي هِـنةٌ أرجو أن يقيلها الله تعالى إن علم أني ما حضرت إلا لأجل غرض يرضاه و لعلي أتجنب ذلك في المستقبل .
هذا و قضية الإذلال و الإهانة و ما أشبه ذلك من العبارات التي تدور على ألسنة الشباب هي أمور مبالَغ فيها ، والذي يده في الماء ليس كالذي يده في النار ، ،و الذي يعمل من أجل الأمة و يتجرع في سبيل ذلك الغصص ، ليس كالذي يعمل لنفسه و زوجته فقط ، كما أن الـغريقَ الذي يصارع أمواج البحر العاتية ليس كالواقف على الساحل ، وقد أجاب الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - بقريب مما ذكرت حينما عوتب في مخالطة آل سعود ، و قبله كتب الإمام الشوكاني رسالة فيما يتعلق بمخالطة السلاطين ما ينبغي ، أو لا ينبغي منها ، وقبله الإمام الصنعاني - رحمة الله عليهما - و رسائلهما مطبوعة يمكن الرجوع إليها .
ومع ذلك كله فالتقصير وارد ، و النصيحة واجبة ، وأسأل الله أن يرينا الحق حقاً و يرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، والله تعالى أعلم .
2021-10-10 08:18:03