زواج الزاني بالمزنى بها ونسبة الولد إليه
السؤال :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد. |فقد اطلعت لجنة الفتوى بموقع الفقه الإسلامي على السؤال الوارد إليها برقم (3)، وتاريخ18 /8/1430هـ، ونصه: أنا شاب أقمت علاقة محرمة مع مطلقة، وأسفرت العلاقة عن وجود طفلة أنجبتها الأم خارج البلد، وأنا أود أن أصلح غلطتي، والمرأة تريد أن أتزوجها لتحضر البنت من الغربة، فما وضع هذه البنت معي، وماذا أفعل؟
الإجابة
فإن الزنا فاحشة عظيمة، وجريمة لا يعدِلُها بعد الكفر وقتل النفس شيء، وسبيل للشر وإشاعة الفاحشة، وسبب لنشر العداوة والبغضاء، وباب عظيم لكثير من الأمراض والأدواء؛ لذا حرمه الله في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونوَّع في بيان تحريمه، فتارة بالنهي عنه صراحة‘ وتارة بوصفه بأقبح الأوصاف، وقرنه بصنوف المحرمات، وتارة بتحريم الطرق المؤدية إليه وسدِّها، مما يدل على شناعة أمره، وشدة خطره، قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً }الإسراء32، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً }الفرقان68، وفي الحديث الطويل في رؤياه صلى الله عليه وسلم ذكر عقوبة الزناة، ففي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه في الصحيحين قال: “فانطلقنا فأتينا على مثل التنور – قال فأحسب أنه كان يقول: فإذا فيه لغط وأصوات، قال : فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا – قال – قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، وفي آخره: “وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني البخاري (1297)، ومسلم(4220).
كما انعقد الإجماع على تحريم الزنا، وأنه كبيرة من الكبائر. لذا كان الواجب التنبيه على تحريم وخطر الزنا، وأنه من الفواحش العظام. الإجماع لابن المنذر(41). أما المسألة الوارد السؤال بشأنها، فقد اختلف أهل العلم في زواج الزاني بالمزنى بها إذا لم تكن فراشا لزوج أو سيد، واستلحاق ولده منها على قولين
: القول الأول: أنه لا يجوز للرجل أن يستلحق ولده من الزنا، وهو قول الأئمة الأربعة، ومذهب الظاهرية. وأبرز ما استدلوا به حديث عائشة رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلَامٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ أَخِي عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: (هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ)، فَلَمْ تَرَهُ سَوْدَةُ قَطُّ. أخرجه البخاري (1912) ومسلم (2645). وقد أجيب عن الحديث بأنه ورد فيما إذا كان هناك صاحب فراش ينازع في الولد، أما إذا لم يكن صاحب فراش فإن الحديث لا يدل عليه، إذ لا نزاع أصلا، فما المانع من استلحاق أبيه له؟!
القول الثاني: أن الأفضل أن يتزوجها الزاني، وينسب الولد له، وهذا القول مرويٌّ عن عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، والحسن البصري، وابن سيرين، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم رحمهم الله. وأبرز ما استدلوا به الآتي:
أولا: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في قصة جريج، وفيه قال: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ: الرَّاعِي. أخرجه البخاري (2302) ومسلم (4625). ووجه الدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى عن جريج نسب الولد للراعي الزاني، وصدَّق الله هذه النسبة بما أجراه من خلاف العادة في نطق الصبي
ثانيا: قصة ملاعنة هلال بن أمية رضي الله عنه مع امرأته، وفيه: “فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ، سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ “أخرجه البخاري (4378). ووجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب الولد لأبيه من الزنا، والذي خلق من مائه
ثالثا: القياس على الأم من الزنا، فكما أن الولد ينسب لأمه من الزنا؛ لأنها هي التي ولدته، فكذلك ينسب لأبيه؛ لأنه خلق من مائه، فهو أبوه كوناً، وإن انتفت الأبوة الشرعية، فكان أولى الناس به
رابعا: أن منع إلحاق ولد الزنى بأبيه معقول المعنى، معروف العلة، وليس تعبديا، والحكمة في ذلك هي حماية المرء من أن يُنسب إليه غير ولده، وأنه في هذه المسألة هو الذي استلحقه، فقد انتفت هذه العلة فعاد الأمر إلى الجواز، كنسبته إلى والدته ولا فرق
خامسا: أن هذا هو الموافق لقواعد الشرع، فإن الشرع يتشوف إلى ثبوت النسب، وحفظ الولد من الضياع والتشرد والانحراف، وفي الأخذ بهذا القول تحقيق لهذا المطلب الشرعي العظيم، ولا شك أن كون الولد ينشأ منسوبا لأبٍيه خيرٌ له من أن ينشأ منسوبا لأمه، مصاحبا للعار بقيةَ عمره، يتجرع ويلات جريرةٍ ليس له فيها يد، ففي عدم نسبته مفاسد عظيمة، كإلحاق العار به، وبأمه، وبذويها، بل وبالمجتمع ككُلٍّ، مع ما في هذا القول من الستر على الزناة والزواني وأهليهم وولدهم، وتشجيع لهم على التوبة
وهذا القول هو الذي يترجح، وهو أنه يصح تزوج الزاني من الزانية، لكن بشرط توبة الاثنين والعزم على عدم الرجوع، كما يصح نسبة ولد الزنا لأبيه إذا استلحقه بشرط تزوجه إياها، بل هو الأولى به، وهو ما قضى به الصحابة رضي الله عنهم، فقد كان عمر رضي الله عنه يليط-أي يلحق-أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام. أخرجه عبد الرزاق في المصنف 12374)، والبيهقي في السنن الكبرى10/263، وسئل ابن عباس رضى الله عنهما فيمن فجر بامرأة ثم تزوجها؟ قال: أوله سفاح، وآخره نكاح لا بأس به. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7 / 155، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لا بأس بذلك، أول أمرها زنا حرام وآخره حلال. أخرجه عبد الرزاق في المصنف 7 / 202، وسئل عمرو بن جابر بن زيد عن الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها؟ قال: هو أحق بها، هو أفسدها مصنف ابن أبي شيبة 3 / 361، والآثار في ذلك كثيرة جدا عن الصحابة والتابعين في القضاء والفتوى بذلك، وقد نقل ابن قدامة في المغني عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: “لا أرى بأسا إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها مع حملها ويستر عليها والولد ولد له” (9/122). والله أعلم
الموافقون على الفتوى رقم (3)
بشأن تزوج الزاني بالمزنى بها ونسبة الولد إليه من أعضاء لجنة الفتوى، هم
الأستاذ الدكتور علي محي الدين القره داغي
الشيخ سليمان بن عبد الله الماجد
الدكتور عقيل بن محمد المقطري
الدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي
الدكتور هاني بن عبدالله الجبير
الدكتور نايف بن محمد العجمي
الدكتور سعد بن تركي الخثلان
الأستاذ الدكتور نور الدين الخادمي
رابط الفتوى في الموقع: http://www.islamfeqh.com/Lagna/ViewLagnaFatawaDetails.aspx?ID=84
2021-09-21 10:54:00