فتاوى

هذه المقولة ذكرها الخطيب البغدادي في ( نصيحة أهل الحديث ص44,45 ) بإسنادين إلى عبيد الله بن عمرو قال جاء رجل إلى الأعمش فسأله عن مسألة وأبو حنيفة جالس فقال الأعمش : يا نعمان قل فيها فأجابه فقال الأعمش: من أين قلت هذا. فقال: من حديثك الذي حدثتناه قال: نعم نحن الصيادلة وأنتم الأطباء .
ثم ذكر إسنادا آخر إلى عبيد الله بن عمرو أيضا قال: (كنا عند الأعمش وهو يسأل أبا حنيفة عن مسائل ويجيبه أبو حنيفة فيقول له الأعمش : من أين لك هذا فيقول أنت حدثتنا عن إبراهيم بكذا حدثتنا عن الشعبي بكذا قال فكان الأعمش بعد ذلك يقول : يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة .
وذكر القاضي عياض رحمه الله في (ترتيب المدارك) (3/231،236) في ترجمة عبد الله بن وهب تلميذ الأمام مالك أن يوسف بن عدي قال: أدركت الناس فقيها غير محدث محدثا غير فقيه خلا عبد الله بن وهب فإني رأيته فقيها محدثا زاهدا قال ابن وهب : لولا أن الله أنقذني بمالك والليث لضللت فقيل له كيف ذلك قال أكثرت من الحديث فحيرني فكنت أعرض ذلك على مالك والليث فيقولان لي خذ هذا ودع هذا يعني رحمه الله أنه كان انشغاله الأكثر بعلم الحديث ولم ينشغل بالفقه فكانت تحيره الأحاديث المتعارضة فكان الليث ومالك يوفقان له بينها .
وإلا فمالك رأس المحدثين كما قيل : إذا ذكر الحديث فمالك النجم ومع هذا كان من سادات الفقهاء وهكذا الليث بن سعد كان محدثا وكان أيضا من الفقهاء الأجلاء ومن قبل صاحب المقولة الأعمش كان له نصيب في الفقه والتفسير لكن كانت بعض الأحاديث ربما تغيب عنه بدليل أنه قال لأبي حنيفة من أين قلت هذا أو ربما لم يفهمها ولم يتفقه فيها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ) وأحمد (4157)، وفي رواية : فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ) صحيح ابن ماجه برقم: 2498 فالتفقه في النص هو المطلوب وهو خير ما أوتيه المسلم وخير ما تفنى فيه الأعمار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : من يرد الله به خيرا يفقه في الدين )
قال العلامة ابن القيم في بدائع الفوائد ص254 وأشرف العلوم وأنفعها علم الحدود د ولا سيما حدود المشروع المأمور والمنهي فأعلم الناس أعلمهم بتلك الحدود حتى لا يدخل فيها ما ليس منها ولا يخرج منها ما هو داخل فيه قال تعالى ( الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ) فأعدل الناس من قام بحدود الأخلاق والأعمال والمشروعات معرفة وفضلا )
وقال ابن الحوزي كما في صيد الخاطر ( الفقه عليه مدار العلوم .... فإن اتسع الزمان للتزيد من العلم فليكن من الفقه فإنه الأنفع وقيد المهم من كل علم فهو سيد العلوم )
وقد عقد الخطيب البغدادي رحمه الله فصلا في كتابه ( الفقيه والمتفقه ) أورد فيه ما يل على جلالة الفقه والفقهاء فليرجع .